بقلم_فاطمة عبدالحميد
غالباً ما نجد معظم مشاكنا اليومية سببها واحد وهو “العناد”، سواء عناد الرجل أو عناد المرأة وإن اختلف نوع الشخص إلا أن السبب الأساسي في المشكلة يظل ثابتاً لا يتغير، ولكن هل العناد دائماً يكون سلبي أم يكون في بعض الأحيان إيجابي وله مميزات كما يمتلك سلبيات وعيوب، هذا ما سوف يعرضه عليكم موقعنا الكريم، فيما يلي:
■تعريف العناد عند علماء النفس
عرف علماء النفس العناد على أنه رفض تام ﻷداء بشئ ما حتى لو كان مفيداً، أو الإنتهاء أيضًا من عمل شئ ما وإن كان يحمل ضرراً، مع الإصرار وتصلب الرأي في عدم الرجوع في تلك القرارات مهما كانت محاولات الإقناع لذلك.
■أنواع العناد
العناد ينقسم إلى نوعين مختلفين، فليس العناد كله سلبي، بل يمتلك شق من الإيجابية في بعض الأحيان، فالعناد الإيجابي هو التمسك بالقيم والمبادئ والحق في زمن غاب فيه الحق وغابت معه الفضائل والمثل، وحل الانحلال والانحطاط، ومواجهة الباطل ومقاومة الظلم.
وخير مثال ودليل على هذا النوع الإيجابي سيدنا “أبو بكر الصديق” -رضي الله عنه- عندما أصر وصمم على محاربة المرتدين ومانعي الزكاة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- رغم معارضة سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وعدد كبير من الصحابة لأبي بكر في هذا الرأي، حتى تبين لهم جميعاً أنه على حق وتمسكه برأيه وإصراره عليه عمل على حفظ دين الله ودولة الإسلام، فهذا النوع من العناد خير دليل عليه هم قادة الدين وعلماءه ودعاته الذين لا يخافون في الحق لومة لائم.
ذات صلة
وثاني مثال أيضًا في هذا النوع هو الإمام أحمد بن حنبل الذي واجه المأمون والمعتزلة وعارضهم ولم يخضع لرأيهم وتمسك بكلمته وأصر عليها عندما جهر “بعدم خلْق القرآن”، ليظل قمة وقامة وقدوة لكل من تبعه، وخير مثال في التمسك بالحق والشرع والإصرار على الرأي طالما بغرض الحفاظ على فضائل تلك الأمة، وعدم الخوف من أي عواقب.
وإذا عددنا الأمثلة سنجدها كثيرة جداً في هذا النوع من العناد في الحق، مهما كانت عواقبه ومهما كلف أصحابه في سبيل إعلاء كلمة الحق ونصرة الدين، ولعلنا أيضًا نجد هذا النوع لدى الأطفال عندما نرى تصميمهم وإراداتهم وإصرارهم على إصلاح لعبة وإعادتها لحالتها الأصلية بعد أن انكسرت وتفككت، مهما منعه الكبار وقاوموه، ويطلق على هذا النوع عناد التصميم والإرادة، فهو تصميم محمود وإرادة مرغوبة يجب علينا تشجيعها.
●أما النوع الثاني هو العناد السلبي، الذي يصمم صاحبه على الاستمرار في العدوان والتمادي في الضلال دون تقبل لأي رأي مخالف لرأيه، حيث يقاوم الحق وينكر الحقائق ويجحد بها، ولا يعترف بأنه مذنب أبداً مهما طال معه الحديث لمحاولة إقناعه، رافضاً الحلول الوسط التي ترضي كافة الأطراف.
ويتبين لنا من خلال التجربة أن العناد السلبي ينقسم إلى نوعين مختلفين، أحدهما هو العناد العقلي، الذي لا يمتلك المصداقية في كل ما يطرح عليه من حقائق ومعلومات، فإنه ينتج عن غياب الدلائل والبراهين والوقائع التي يرفض ويقاوم مجرد تصديقها.
والقسم الثاني هو العناد النفسي الذي غالباً ما نجده هو الأكثر انتشاراً، وهو الذي لا يقوم على منطق، ولا ينبع باسناد وبرهان، بل يكون سلوك سلبي بشكل عدواني، يولد التمرد ضد الآخرين مهما كانت درجة العلاقة وقربها بينهم، سواء كانوا آباء_إخوة_أزواج_أمهات_أصدقاء_إلخ، والذي يكشف فيه عن رغبته في الاختلاف والتوجه إلى الشراسة والعدوانية والتصادم، وعدم اللين والاستجابة لتوجيه الآخرين، وهذا النوع بالتحديد ينطبق عليه قول الله – عز وجل: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 204 – 206].
وهذا النوع ينبع غالباً من دوافع نفسية في الأساس، كالغرور والكبر وانكار الحق، والمنافسة الغير شريفة على المكانة التي تنقلب إلى صراع دائماً، أو حتى الحصول على أكبر قدر من المكاسب في موقف معين “وهو العناد الانتهازي أو النفعي أو الابتزازي”، كما يمكن أن يكون بدافع الاستقلالية وإثبات الذات أيضاً.
■ما هي أسباب العناد؟ وما دوافعه؟
توصل الباحثين في النهاية إلى 3 أسباب رئيسية تكمن خلف العناد وهي:
● انعدام الثقة
حيث يكثر العناد داخل المجتمع أو الأسرة التي تنعدم فيها الثقة، وهي السبب وراء الحالة التي يعرف بها الإداريون عن إجراء استبدال الإدارات أو إحلال تجديد من مقاومة التغيير، لذا لابد أن يسبقها بعض الدورات التوضيحية كنوع من التهيئة وإيضاح الهدف المنشود من التغيير.
●افتقاد الحقوق
لابد من إتاحة الفرصة لأفراد الأسرة خاصة في فترة المراهقة الحرجة والثقة الكافية للمشاركة في الأعمال وتحمل الأعباء والمسئولية، فهذا يعمل على التقليل من العناد والحد من التمرد لديهم التي غالباً تنبع من محاولات إثبات الذات وتحقيق الاستقلال المنشود لديهم.
●عدم إشباع الرغبات والاحتياجات
كثيراً ما يكون دافع إشباع الرغبات والاحتياجات خفيًّا في حالات العناد داخل الأسرة، فالعناد غي هذه الحالة مجرد رد فعل لإشباع رغبة معينة فهو لا يقصد العناد ذاته، لذا لابد من الوقوف طويلا مع تلك الدوافع ومحاولة إشباعها لدى أفراد الأسرة، حتى لا تتخذ مسار معاكس وتدفع بهم للعناد والتمرد.
■العناد بين الزوجين
لا شك أن العناد بين الزوجين يفضي في كثير من الأحيان إلى تنائج سلبية مائة بالمائة، تعود على كل منهم بقدر كبير من الخسارة، ويعمل على تفاقم المشكلات بينهما مما يترتب عليه آثار نفسية مكروهه لا تلحق بالزوجين فقط بل وتنال من أبنائهم أيضاً، على النقيض نجد الأسرة التي تربطها علاقة التفاهم والوضوح والتضحية تنبض بها الحياة بشكل كبير، وتدب فيها روح الحب والتسامح، فالعناد يهدم الأسرة ويشتت شمل أفرادها ويقضي نهائياً على كيانها.
ويعود العناد السلبي في الأسرة بين الزوجين إلى أشكال مختلفة، منها ما هو مفتقد للنضج والوعي والإدراك كإسرار الزوجة على شراء كماليات فوق حاجتها لا داعي لها رغم ضيق ظروف زوجها المالية التي لا تسمح بمثل تلك المشريات، مما يعمل على تفاقم المشكلات التي لا داعي لها بين الزوجين وإحداث فجوة كبيرة بينهما.
وهناك شكل آخر من أشكال العناد السلبي بين الزوجَين يعود إلى الغيرة، وهذا النوع من الغيرة لا تجد له سببا منطقيا سوى مشاعر الغيرة المسيطرة سواء لدى الزوج أو الزوجة.
وهناك شكل مختلف تماماً تعتقد فيه الزوجة أن تصميمها على موقفها وإصرارها يدل على قوة شخصيتها، ويعلي من شأنها لدى زوجها فيخضع لإرادتها محققاً لها كل آمالها، وهناك “عناد المحاكاة” وهذا النوع ما تكتسبه الفتاة من اقتدائها بوالديها ومحاوله تشبهها بهم في أفعالهم لأنهم كانا يتعاملان معها بهذا الشكل.
●دور الزوج في علاج العناد لدى الزوجة
يساهم الزوج بشكل كبير في احتواء وعلاج الزوجة من العناد بعدة أشكال مختلفة حيث يمكنه الابتعاد عن الأسباب الرئيسية التي تدفع الزوجة للعناد، أما إذا كان العناد طبعاً متأصلا من طباعها يتخذ الزوج في تلك الحالة الصبر كطريقة لإحتوائها وتجنب النقاط التي تشكل نزاعا بينهما إلى أن تتخلى عن تلك الصفة نهائياً.
كما ينصح أساتذة الطب النفسي الزوج بإتباع تلك الأساليب مع الزوجة العنيدة
◆إشعار الزوجة بالحب والاهتمام والتقدير
◆امتصاص غضب الزوجة وأن يتصرف بذكاء وهدوء وتأجيل موضوع النقاش إلى وقت مناسب يسهل فيه إقناعها إذا كانت مخطئة.
◆السير على إسلوب الحوار والمناقشة وعدم التصلب في الرأي وتقديم بعض التنازلات التي تتطلبها الحياة حتى تسير في أمان واستقرار.
◆كما يجب التنوية إلى أن هناك جانب إيجابي في عناد الزوجة حيث تدفع الزوج للعمل والنشاط والتفوق والبحث عن مجالات جديدة لزيادة الدخل.
◆في كثير من الأحيان ينبع عناد الزوجة من رغبتها في السيطرة والتحكم في ذمام الأمور مما يتعارض مع رغبة الزوج، وهنا يجب على الزوج توضيح الأمور للزوجة وإخبارها أن الحياة تستحيل بينهما بهذا الشكل، وأن المنزل سوف يتحول لحلبة صراع تؤدي لتدميره وهلاك الأسرة لا محالة.
◆لا يجب إظهار تلك الصراعات أمام الأبناء وتجنب إشعارهم بأي خلل، حتى لا تزيد الأكور حدة وتوتر.
وفي الختام أعزائي القراء الكرام، محبي موقعنا الكريم، موقع ومجلة سحر الحياة يجب أن نتنازل عن تلك الصفات التي لا نجني منها إلا الخسران، وأن نتقرب إلى الله ونراعيه في كل خطواتنا، وأنتي أختي الكريمة، الابنة والاخت والام والزوجة، ستكون رسالتي ونصيحتي لكي التي اكتفي بها حديث شريف من كلام خير الخلق والأنام، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها”.