كتبت/ فاطمة عبدالحميد
شقيقان من روائح زمن الفن الجميل، أبدع كل واحد منهما فشقَ لنفسه سبيلاً بالنجاح يمتلأ، ارتوت الأدوار التي قاما بتجسيدها بمعاني الحب والإنسانية، رونق أدائهما مازال عطره يفوح ويمتد، أصولهما الطيبة تركت داخل كل منهما أصول وطيبة وأخلاق المصريين، تألق كل منهما على حدة في تجسيد دور الأب فبرعا فيه، حتى أحس كل منا بصفات الأبوة الحقيقة في أدائهما، إنهما الأخوان عبدالوارث وحسين عسر.
*الفنان عبدالوارث عسر*
الأخ الأكبر هو الفنان القدير الراحل عبدالوراث عسر الذي جسد شخصية الرجل العجوز في مسرحية “الممثل كين” مع فرقة جورج أبيض، ولكن المفارقة التي أدهشت الجميع حينها أنه كان في العشرينات من عمره، لكن براعته في الدور جعلته حبيس هذه الشخصية حتى وفاته، فخلد في أذهاننا جميعاً كجمهور بصورة العجوز الحنون.
للمزيد
وٌلد عبدالوارث عسر في 16 سبتمبر عام 1894 بمنطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، ولكنه انتمى لأب من أصول ريفية كان يعمل محامياً ولذلك رغب عبدالوارث أن يسير على درب والده لكن كراهته الشديدة في التعامل مع السلطات الإنجليزية التي كانت تحتل البلاد في تلك الحٌقبة جعلته يتراجع ويستبعد الأمر، حفظ القرآن منذ الصغر وتعلم تجويده، وهو الأخ الأكبر لشقيقين فقط، هما الفنان حسين عسر وأخته الصغير سنية عسر، وتدرج فى التعليم حتى حصل على البكالوريا من مدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا.
كان الزعيم سعد زغلول صديقاً مقرباً من والده، لذا ساعده في الإلتحاق بالعمل بوزارة المالية في وظيفة كاتب حسابات، وأحب عبدالوارث ابنة خالته وأٌغرم بها وتوج حبه لها بالزواج منها وانجاب ابنتين سماهما بأسماء فرعونية، هما “لوتس” و”هاتور”، ومن أحفاده الفنان “محمد التاجي”.
إقرأ أيضاً
استقال من وظيفته في وزارة المالية في سن الـ40، رغبةً في التفرغ للحياة الفنية، والتحق عام 1912 بفرقة “جورج أبيض”، وتدرب على التمثيل على يد “منسي فهمي”، وكان أول دور له فى مسرحية “الممثل كين”، وكان يؤدي مع الفرقة بطريقة الأداء التمثيلي الكلاسيكي، وهو الأمر الذي لم يحبه، وجعله ينضم لفرقة “عزيز عيد وفاطمة رشدي”، التي اتسمت بالطبيعية في الأداء، فكانت الأقرب لقلب عسر، وأصبح هو نفسه من رواد هذه المدرسة.
أعطى عبد الواراث الفن من قلبه وأحبه وأراد النهوض به فأسس برفقة صديقيه سليمان نجيب ومحمد كريم فرقة “أنصار التمثيل”، واشتهر كثيرًا بالوسط الفني بعد كتابته وتمثيله لفيلمي “سلامة” و “عايدة” مع أم كلثوم، إلى جانب دخوله مجال تدريب الوجوه الجديدة من الممثلين على فن الإلقاء، وكان يدرّس مادة الإلقاء بالمعهد العالي للسينما منذ عام 1959، وألف كتاب “فن اﻹلقاء”، الذي لا يزال من أهم الكتب في تعليم التمثيل.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن فيلم “يحيا الحب” الذي كان أول أفلام موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب سيناريو وتأليف عبدالوارث عسر، وكان تصويره في فرنسا وبعدها كان سيناريو سلسلة أفلام عبدالوهاب من تأليفه أيضا.
للمزيد
وقدم عسر خلال مشواره أكثر من 300 فيلم ومسرحية، وكتب العديد من السيناريوهات، ومن أشهر أعماله أفلام “دموع الحب، يوم سعيد، حب فى الظلام” مع فاتن حمامة، و”عيون سهرانة” مع شادية، و”شباب إمرأة” مع تحية كاريوكا، و”صراع فى الوادي” و”الأستاذة فاطمة”وغيرها من العمال الكبيرة.
تقديراً وشكراً لجهود ذلك الفنان القدير تم تكريمه من 3 حكام على التوالي ما بين تكريم الملك الفاروق، مروراً بحصوله على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس جمال عبد الناصر، وصولاً لجائزة الدولة التقديرية ووسام الفنون من الرئيس السادات، وحتى بعد وفاته تلقى العديد من الجوائز التي تسلمتها عنه عائلته، من أهمها صدور طابع بريد بصورته واسمه، كما حصل على جائزة عن سيناريو فيلم “جنون الحب”، وكان آخر ما قدمه في التليفزيون هو مسلسل “أحلام الفتى الطائر” مع “عادل إمام”.
صورة الأب هي الصورة الرائجة لذلك المبدع في أذهاننا لأنها الانعكاس الذي أرسلته لنا الكاميرا ولمسناه تحت الأضواء، لكن يبدو أن خلف تلك الكاميرات ووراء تلك الأضواء صورة أخرى لا يعملها الكثيرون منا، تمتلك وجهاً تملؤه الرومانسية بما يكفي لأن يكشف عن مدى حبه الشديد لزوجته ومحبوبته، التي رحلت عنه في مايو1979، مما أصابه بالحزن الشديد الذي راح على إثره في غيبوبة كاملة بمستشفى المعادي، حتى توفي ورحل عن عالمنا في أبريل 1982 عن عمر يناهز 87 عامًا، وكأنه رحل عنا شوقا إلى لقاء زوجته في العالم الآخر.
*الفنان حسين عسر*
أما الأخ الأصغر فهو الأب الريفي حسين عسر، فطالما علقت صورته بملابسه الريفية في أذهاننا إذا ذٌكِر اسمه التي تعبر عن وقار رجل القرية أو العمدة صاحب الصوت الوقور والأداء الرزين، وٌلد حسين عسر في 9 يناير 1903، ونشأ وتربى تحت رعاية وحرص الأب علي تعليم أبناءه القراءة وتجويد القرآن فظهر ذلك واضحا علي أداءهم الفني .
شارك حسين عسر مع الفنان”بشارة واكيم” عام 1926 في أحد المسرحيات، فكانت تلك المسرحية أول خطوة يخطوها في مجال الفن، ثم استمر في العمل بالمسرح طيلة 4 سنوات بعدها شارك في أول عمل سينمائي له وهو فيلم”زينب” عام 1930 إخراج “محمد كريم “، قصة وسيناريو وحوار”عبد الوارث عسر ” بطولة بهيجة حافظ وزكي رستم .
إقرأ أيضاً
وصل رصيده من الأفلام التي شارك فيها خلال مشواره الفني ما يقرب من 60 عمل سينمائي كان أبرزها أفلام “ليلي بنت الأغنياء 1946 ، زينب 1952، حسن ونعيمة 1959 ، أدهم الشرقاوي 1964، “حكاية من بلدنا” 1969 ، الأرض 1970، أفواه وأرانب 1977 ،بريق عينيك 1982″.