أدم وحواءصحتك بالدنياعام
لا أمل بالإنجاب أريد حلا
استئجار الأرحام بين التشريعات السماوية والقوانين الوضعية
كتبت / مها صقر
نائب رئيس المجلس العربي للقضاء العرفي
باحثة في الشؤون القانونية والصحة النفسية للمرأة.
بسم الله الرحمن الرحيم
لله مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
من سورة الشورى الآية 49
صدق الله العظيم
انتشر في الآونة الأخيرة ظاهرة في منتهي الخطورة ويؤكد الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية على حرمانيتها حرمانية قاطعة لا جدال فيها ألا وهي ظاهرة استئجار الأرحام ظاهرة مستحدثة على المجتمعات العربية الإسلامية لمن لا يعرف ما هو استئجار الأرحام يتابعنا الآن:
أولا : شرح مفهوم استئجار الأرحام
تأجير الرحم surrogacy أو الحمل البديل
عبارة عن حل طبي يتم اللجوء إليه لمساعدة النساء غير القادرات على الحمل والإنجاب بسبب مشاكل صحية. حيث تتم عملية الإخصاب خارج الجسم بتلقيح بويضة المرأة بماء زوجها في المختبر قبل أن تتم زراعة واحدة أو أكثر من تلك البويضات المخصبة في رحم امرأة متطوعة لتنمو وتستكمل فترة الحمل. وفي هذه الحالة يطلق على المرأة صاحبة الرحم اسم الأم البديلة بينما تكون صاحبة البويضة هي الأم البيولوجية. وعندما تلد الأم البديلة الطفل تسلمه للزوجين مقابل مبلغ متفق عليه او أحيانا مجانا كنوع من المساعدات الإنسانية .
ثانياً: بداية نشاة فكر استئجار الأرحام
بدأت تقنية إجارة الأرحام في عالم الحيوان، والتي استعملت بهدف زيادة إنتاج الحيوانات ذات صفات ممتازة، فيؤخذ عدد من البويضات من أنثى حيوان ذات الصفات الممتازة، وتخصب مختبريا ثم تزرع الأجنة في أرحام عدد من الحيوانات الأخرى العادية، وكان الأطباء البيطريين يستأجرون أرحام تلك الأبقار العادية لتنمية الأجنة المحسنة داخلها.
ومن ثم انتشرت عمليات الرحم المستأجر بين البشر في أوروبا وأمريكا في ثمانينيات القرن الماضي، حتى أصبحت لها شركات ووكالات خاصة للترويج لتأجير الأرحام والمساعدة في إبرام تلك العقود، ويمكن ملاحظة الانتشار الواسع لتلك الوكالات عند تصفح شبكة الإنترنت، حتى بدأت تلك الأفكار تغزو الشرق وخاصة الهند، حيث تستغل النساء في عمليات الرحم المستأجر، وذلك لرخص الأجرة المدفوعة إذا ما قورنت بالدول الغربية.
وتشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 15 مركزا في الولايات المتحدة وحدها خاص باستئجار الأرحام، والعدد في تزايد ويصل معدل الأجرة إلى 17 ألف دولار، وقد أنتجت الوكالات مئات المواليد بهذه الطريقة، وهكذا تصبح أرحام الفقيرات في أمريكا وأنحاء العالم الثالث بضاعة للبيع والإيجار، يستغلها الأثرياء والأغنياء، ويريدون الحصول بذلك على أبناء دون عناء وما يتبعها من مشاق وآلام.
حكم الشريعة الإسلامية في إجارة الأرحام
الحكم الشرعي:
لا تجوز إجارة الأرحام مطلقا، فلا فرق بين أن تكون صاحبة الرحم البديل زوجة أخرى للرجل صاحب الحيوان المنوي أم لا . وذهب إلى هذا القول جماهير العلماء المعاصرين، حيث صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية بمصر، وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعدم الجواز. بل نقل بعض العلماء الإجماع على تحريمه، مثل: الدكتور: عارف علي عارف، والدكتور: صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه بجامعة الأزهر،
واستدلوا بعدة أدلة منها
1- قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {23/5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {23/6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)سورة المؤمنون.
وجه الدلالة: أن الله – تعالى- أمر بحفظ الفروج إلا على الأزواج وملك اليمين، ونقل البويضة الملقحة إلى امرأة أخرى من متعلقات الجماع فكأنه اتصل بغير زوجته.
2- قول الله – تعالى- (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً)سورة النحل72.
ووجه الدلالة: أن الله – سبحانه – قد بين أنه جعل الزوجة من جنس الزوج، ثم أوضح أن الولد إنما يكون من الزوج والزوجة، فنص القرآن يبين أن الولد يكون من زوجة شاركت في إعداده، وصاحبة الرحم المستأجرة ليست كذلك.
3-عيوب ومفاسد استئجار الأرحام كثيرة منها:
أ- قد يؤدي إلى اختلاط الأنساب، إذا كانت المستأجرة متزوجة، وإن لم تكن متزوجة فلن تسلم من الإتهام وسوء الظن بها.
ب- ما يحصل من منازعات وتفكك الأسرة بين الأم صاحبة البويضة، أو صاحبة الرحم، والإسلام قد حرم كل ما يؤدي إلى النزاع والخلاف.
ج- يفسد معنى الأمومة الحقيقية التي فطرها الله عليها، إذ غاية ما هنالك إقرار بويضة بدون عناء ولا مشقة، بينما التي حملتها عانت آلام الحمل وتغذى بغذائها حتى غدا بضعة منها.
د-فتح هذا الباب يؤدي إلى أن تسلكه كل امرأة ثرية، أرادت أن تحافظ على صحتها ورشاقة بدنها، بل قد تنجب في السنة عدداً كبيراً من الأولاد ويتحول الإنجاب بهذه الطريقة إلى مفاخرة ومتاجرة.
4- عدم قابلية الرحم للبذل والإباحة، فهو ليس محلاً للبيع ولا الهبة ولا الإجارة ونحو ذلك.
تأجير الأرحام.. ممنوع بالقانون:
رغم أن مصر كدولة إسلامية خالية تماما من ظاهرة تأجير الأرحام لما في ذلك من خلط للأنساب وهو ما ترفضه الشريعة الإسلامية وجميع الشرائع السماوية والقوانين أيضا.
إلا أن البعض يرى أن إصدار قانون لتجريم هذا الفعل أمر ضروري حتى لا تحدث في المستقبل النائبة ابتسام حبيب عضو مجلس الشعب تقدمت بمشروع قانون للجنة الاقتراحات والشكاوي لتجريم تأجير الأرحام رغم أن الظاهرة غير موجودة في مصر أصلا.
وعن مشروع القانون تقول النائبة إنه تم عرضه على لجنة الاقتراحات والشكاوى التي أخذت رأي مسؤولين من وزارتي الصحة والعدل وطلبت وزارة العدل إحالة المشروع إلي مجمع البحوث الإسلامية الذي وافق على جميع بنوده بالكامل ثم إحالته لجنة المقترحات والشكاوى إلي لجنة الصحة( لجنة الموضوع) وكتب اللجنة التشريعية وتمت مناقشته من قبل عديد من الأطباء وبحضور مندوب من وزارة الصحة, إنتهت اللجنة بأن وافقت على الاقتراح بمشروع قانون الإسراع بإصداره للتصدي لأي شكل من أشكال الانحراف الذي يخالف الشريعة الإسلامية أو القانون, ومما قد يحدث من بعض المراكز التي تعمل حاليا بموجب لائحة آداب المهنة في النقابة ويلزم الأمر إصدار تشريع خاص يحقق المزيد من الرقابة والضوابط.
تناول المشروع عدة مواد ومن أهمها المادة(5) منه والتي تنص على أنه يحظر اللجوء إلى إجراء عملية التلقيح الصناعي أو الإخصاب الخارجي والذي يتم عن طريق نطفة الزوج وبويضة الزوجة ثم تعاد البويضة المخصبة منهما لتزرع في رحم امرأة أخرى غير الزوجة تسمي صاحبة الرحم المستعار أو المستأجر أو الأم البديلة التي تكون مهمتها الحمل نيابة عن الزوجة وتسليم المولود للزوجين, كما يحظر اللجوء إلي التلقيح المساعد والذي يتم عن طريق الاستعانة بنطفة متبرع أو بويضة امرأة غير الزوجة حيث يكون نتاجهما طفلا غير شرعي.
وحتى لا يصدر القانون كرد فعل الأفعال المؤثمة يصدر قبلها لأن هذه العملية منتشرة في بعض دول العالم ولكن هناك دولا مثل فرنسا رفضت فكرة الأرحام المستأجرة لاعتبارها نوعا من أنواع الإتجار في البشر ومن الممكن أن تستغل هذه الفكرة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة أن يجبر الزوج الفقير زوجته علي تأجير رحمها مقابل حفنة من المال, ويمارس العنف معها لإجبارها على ذلك كنوع من التجارة, ووسيلة للتكسب والتربح, فماذا يحدث لو تم تأجير نفس الرحم في الإسكندرية والقاهرة وأسيوط مثلا, خاصة أنه من المؤكد أن الطفل عندما يوجد في رحم إمرأة أخرى يحدث هناك تغييرات جينية تؤثر فيها الأم على الطفل فهي ليست مجرد وعاء بدليل أننا نعطي تعليمات للأم الحامل أن تتناول أنواعا معينة من الأغذية وتبتعد عن بعض الممنوعات.
لكن البعض يري أن هذا الأمر لا داع لوضع قانون له لأنه لا يحدث في مصر ولكن د. حمدي السيد يرد على هذا الرأي قائلا مادام هناك 45 مركزا لأطفال الأنابيب في مصر يتم فيها تلقيح البويضات فهذا يعني أنه من الممكن إجراء هذه العمليات في أي وقت لذا لابد من وضع ضوابط لها.
د. أمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة جامعة الأزهر تؤكد أن مسألة الإخصاب المساعد مادامت بين الزوجين في حيال العقد لا غبار عليها وقد أباح هذا فقهاء الأزهر وعلي رأسهم المرحوم الشيخ جاد الحق وهذه العملية كانت لنا فيها كثير من الأبحاث في مركز السكان الدولي برئاسة د. جمال أبو السرور وأخذت وقتا طويلا من أهل الاختصاص من أساتذة الجامعة وتوجت بموافقة الشيخ جاد الحق في حينها, وبقيت بعض النقاط المتعلقة علي رأسها كان من باب الافتراض أنه تم أخذ الزوجة والزوج حيال العقد وبعد أخذ هذه العينة من الطرفين وأثناء خروجهما من المستشفى لقى الزوج حتفه, وجاءت بعض الآراء في هذا الصدد فريق رأى أنه لا يتم حقن الأرملة التي توفي عنها زوجها بما تم أخذه حيال العقد وبرضا الزوج المتوفي.
أما النقطة الثانية وهي تأجير الأرحام فمسألة لها دفع شرعي ونفسي وأخلاقي لأنه لا يستحب أن يوضع في رحم امرأة غريبة هذه البويضة الملقحة خارج الرحم ووضعت في الرحم وهي ملقحة ومعنى ذلك أننا لم نضع الحيوان المنوي في رحم هذه المرأة الغريبة إنما حقنا الرحم البديل ببويضة ملقحة, وهذه قضية تنفر منها النفس البشرية لعدة اعتبارات,
أولا: أن إدخال هذه البويضة في رحم أم غريبة علي الزوج والزوجة أمر ترفضه النفس وأن التشديد علي نقاء النسل دون أي اختلاط يعتبر واحدا مما تهتم به الشريعة الإسلامية إلي أخر مدى, وثانيا نطرح سؤالا ماذا يكون وضع هذا الرحم البديل إذا كان لزوجة أو أرملة أو قريبة للأم أو من أرحامها وهي جميعا احتمالات واردة مما يضع جميع الأطراف في أوضاع حرجة, وإذا كانت الأم البديلة زوجة فما موقف زوجها من هذا الأمر وهي تحمل طفلا ليس منه وكأنها تجارة, كأن نعلن في الصحف عن رحم للإيجار مثل شقة للإيجار! ولذلك كان الإجماع من قبل أهل الفتوي علي رفض هذا الرحم البديل.
رأي الكاتب ورسالة للمجتمع :
إن ممارسة إجارة الأرحام، يفقد المرأة كرامتها وتصير كالدابة المستأجرة للاستخدام حسب الطلب ولتصبح التجارة في بدنها باستئجار رحمها تحقيرا وامتهانا لعفتها واستغلالا لأنوثتها وتحجيما لدورها كأم لقد نظرو للمرأة على أنها جسد بلا روح فافقدوها إنسانيتها، ولم يعترف المجتمع بأن لها روحًا أصلاً أو أن لها احتياجات روحية، وادعت أنها تمنحها حقا من حقوق الإنسان التي منحها الشرع الحنيف إياها مسبقًا بما يواكب فطرتها، فقد ألغى المجتمع الحقوق الفطرية للمرأة كحقها في العفة، وحقها لحماية عرضها، وحقها في الفضيلة، وحقها لحفظ نسلهاواستبدلت كل هذه الحقوق بالإتجار في العرض وجعلته حقًّا إنسانيًّا.
من رضي بقضاء الله أرضاه الله
الحمد لله رب العالمين على ما أعطيت وعلى ما منعت
رحم الله من علم وعمل وغفر لمن علم وتجاهل
انتظروا مقالاتنا القادمة.
رئيسة قسم صحتك بالدنيا / نهى على