انواع الحبّ ومراحله تطورة
كتبت: مها نور
وضعوا للحبّ أسماءً كثيرةً منها: المحبّة، والهوى، والصّبوة، والشّغف، والوجد، والعشق، والنّجوى، والشّوق، والوصب، والاستكانة، والودّ، والخُلّة، والغرام، والهُيام، والتّعبد. وهناك أسماء أخرى كثيرة عرفت من خلال ما ذكره المحبّون في أشعارهم، وفلتات ألسنتهم، وأكثرها يعبّر عن العلاقة العاطفيّة بين الرّجل والمرأة. أمّا مراحل الحبّ فهي:
الهوى
يقال أنّه ميْل النّفس، وفعْلُهُ: هَوِي، يهوى، هَوىً، وأما: هَوَىَ يَهوي فهو للسّقوط، ومصدره الهُويّ. وأكثر ما يستعمل الهَوَى في الحبِّ المذموم، كما في قوله تعالى في كتابه الحكيم:” وأمَا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإنَّ الجَنَّة هي المأْوى “، النّازعات/40-41.
وقد يُستعمل في الحبّ الممدوح استعمالاً مقيّداً، منه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:” لا يؤْمن أحدكم حتى يكون هَواهُ تَبعاً لما جئتُ بِه “، صحّحه النّووي. وجاء في الصّحيحين عن عروة بن الزّبير، قال:” كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهنّ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهَبَ نفسها للرَّجُل؟ فلمّا نزلت ” تُرْجي من تشاء مِنْهُنَّ “، الأحزاب/51، قلت: يا رسول الله ما أرى ربَّك إلا يُسارعُ في هواك “.
الصَّبْوة
وهي الميل إلى الجهل، فقد جاء في القرآن الكريم على لسان سيّدنا “يوسف” قوله تعالى:” وإلا تَصرفْ عنّي كيدَهن أصبُ إليهنَّ وأكنُ من الجاهلين “، يوسف/33، والصّبُوة غير الصّبابة، والتي تعني شدّة العشق، ومنها قول الشّاعر:
تشكّى المحبّون الصّبابة لَيْتني
تحمّلت ما يلقون من بينهم وحدْي
الشّغف
وهو مأخوذ من الشّغاف، والذي هو غلاف القلب، ومنه قول الله في القرآن، واصفاً حال امرأة العزيز في تعلّقها بيوسف:” قد شغفها حُبّاً “، يوسف/30، قال ابن عبّاس ما في ذلك:” دخل حُبّه تحت شغاف قلبها “.
الوجد
هو الحبّ الذي تتبعه مشقّة في النّفس، والتّفكير فيمن يحبّه، وامتلاك الحزن له دائماً.
الكَلَفُ
هو شدّة التعلّق والولع، وأصل الّلفظ من المشقّة، قال الشّاعر: فتعلّمي أن قد كلِفْتُ بحبّكم ثمّ اصنعي ما شئت عن علم.
العشق
العشق فرط الحبّ، وقيل هو عجبُ المحبّ بالمحبوب، يكون في عفاف الحبّ ودعارته، قال الفرّاء:” العشق نبت لزج “، وسُمّي العشق الذي يكون في الإنسان لِلصُوقهِ بالقلب.
الجوى
الحرقة وشدّة الوجد من عشق أو حُزْن.
الشّوق
هو سفر القلب إلى المحبوب، وارتحال عواطفه ومشاعره، وقد جاء هذا الاسم في حديث نبويّ إذ روي عن عمّار بن ياسر، أنّه صلّى صلاة فأوجز فيها، فقيل له: أوجزت يا أبا اليقظان، فقال:” لقد دعوت بدعوات سمعتهن من رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يدعو بهنّ:” اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الغضب والرّضى، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضى بعد القضاء، وأسألك بَرَد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك، في غير ضرّاء مُضرّة، ولا فتنة ضالّة، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداةً مهتدين “. وقال بعض العارفين:” لمّا علم الله شوق المحبّين إلى لقائه، ضرب لهم موعداً للقاءٍ تسكن به قلوبهم “.
الوصب
وهو ألم الحبّ ومرضه، لأن أصل الوصب المرض، وفي الحديث الصّحيح:” لا يصيب المؤمن من همّ ولا وصب، حتى الشّوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه “. وقد تدخل صفة الدّيمومة على المعنى، وذكر القرآن الكريم:” ولهم عذابٌ واصبٌ “، الصّافات/9، وقال سبحانه:” وله الدّينُ واصباً “، النّحل/52.
الاستكانة
وهي من الّلوازم، والأحكام، والمتعلّقات، وليست اسماً مختصاً، ومعناها على الحقيقة: الخضوع، وذكر القرآن الاستكانة بقولهِ:” فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون “، المؤمنون/76، وقال:” فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفوا وما استكانوا “، آل عمران/146. وكأنّ المحبّ خضع بكليّته إلى محبوبته، واستسلم بجوارحه وعواطفه، واستكان إليه.
الوُدّ
وهو خالص الحبّ، وألطفه، وأرقّه، وتتلازم فيه عاطفة الرّأفة والرّحمة، يقول الله تعالى:” وهو الغفور الودود “، البروج/ 14، ويقول سبحانه:” إنّ ربّي رحيم ودود “، هود/90.
الخُلّة
وهي توحيد المحبّة، وهي رتبة أو مقام لا يقبل المشاركة، ولهذا اختصّ بها في مطلق الوجود الخليلان إبراهيم ومحمّد، ولقد ذكر القرآن ذلك في قولهِ تعالى:” واتَخَذَ اللهُ إبراهيم خليلاً “، النّساء/125.
وصحّ عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قوله:” لو كنت متّخذاً من أهل الأرض خليلاً، لاتّخذت أبا بكر خليلاً، ولكنّ صاحبكم خليل الرّحمن “. وقيل:” لمّا كانت الخلّة مرتبةً لا تقبل المشاركة، امتحن الله سبحانه نبيّه إبراهيم الخليل، بذبح ولده لمّا أخذ شعبةً من قلبه، فأراد سبحانه أن يخلّص تلك الشّعبة ولا تكون لغيره، فامتحنه بذبح ولده، فلمّا أسلما لأمر الله، وقدّم إبراهيم محبّة الله تعالى على محبّة الولد، خلص مقام الخلّة، وصفا من كلّ شائبة، وفدي الولدُ بالذّبح “. ومن ألطف ما قيل في تحقيق الخلّة:” أنّها سمّيت كذلك لتخلّلها جميع أجزاء الرّوح وتداخلها فيها “، قال الشّاعر:
قد تخلَّلْتِ مسلك الروح مِني
وبذا سُمِّي الخليل خليلاً
الغرامُ
وهو الحبّ الّلازم، ونقصد باللازم التحمّل، يقال: رجلٌ مُغْرم، أي مُلْزم بالدّين، قال “كُثِّير عَزَّة”:
قضى كل ذي دينٍ فوفّى غريمه
و”عزَّة” ممطول مُعنًّى غريمُها
الهُيام
وهو جنون العشق، وأصله داء يأخذ الإبل فتهيم، ولا ترعى، والهيم (بكسر الهاء) الإبل العطاش، فكأنّ العاشق المستهام قد استبدّ به العطش إلى محبوبه، فهام على وجهه لا يأكل، ولا يشرب، ولا ينام، وانعكس ذلك على كيانه النفسيّ والعصبيّ، فأضحى كالمجنون، أو كاد يجنّ فعلاً.