كيف تحدد الطيور المهاجره الاتجاهات
قام 1899 قام العالم الدانماركي Christian Cornelius بوضع حلقات حديدية لاول مرة، حول اقدام الطيور، من اجل اكتشاف اين يختفون في الشتاء، ومنذ ذلك الوقت جرى تأشير 11 مليون طير. وبالرغم من انه لم تعد الا كمية قليلة من هذه الحلقات إلا انها اعطت معلومات هامة عن مكان إقامة الطيور عبر الفصول.
الحلقات في ارجل الطير كشفت طرق هجرة الطيور ولكنها لم تكشف كيفية معرفتها للاتجاه الصحيح. من اجل دراسة طريقة الطيور في تحديد الاتجاه وضع العلماء طيور مهاجرة في قبة كبيرة مغلقة. وجود الطيور في مكان مغلق لم يمنع شعورهم بالقلق الذي يبدأ في وقت الهجرة ويجبرهم على ترك اماكن اقامتهم. هذا القلق لايزول حتى ولو قام العلماء بنقل الطيور الى الطرف الاخر من الكرة الارضية. في السعي لمعرفة العوامل البيلوجية التي تقف خلف نشوء هذا القلق، قام العلماء بوضع الطيور في بيئة ذات حرارة ثابتة ولكن ضوء متغير. وحتى عندما لاتكون الطيور في بيئتها الطبيعية يبدأ القلق عندها تقريبا في نفس الوقت الذي يبدأ عند الطيور الاخرى. الان نعلم ان هذا القلق لاعلاقة له بالعوامل الخارجية وانما ينطلق بالارتباط مع ميكانيزم بيلوجي في داخل الطيور.
الطيور في القبة البيضاء المغلقة تعطي الامكانية لمعرفة الاتجاه الذي يختاره الطيور. عند بدء القلق يحدد الطير على الفور الاتجاه الذي سيذهب اليه، وعلامات اقدامه على الحائط تشير بوضوح الى اصراره. القلق ليس فقط اشارة للبدء بالرحلة وانما ايضا حافز لتحديد الاتجاه وهو يستمر بضعة ايام، ويمكن قرائته عمليا بالشكل التالي ” استمر بالطيران لمدة ستة ايام بهذا الاتجاه تصل الى المنطقة المطلوبة”.
كيف تعلم الطيور ان هذا الاتجاه الى الجنوب وذلك الى الشمال؟
من اجل الاجابة على هذ السؤال تم بناء العديد من الوسائل داخل قاعة دائرية كبيرة، مثل حقل مغناطيسي واضاءة قوية تمثل الشمس وبالامكان تغيير موقعها، كما تم انشاء قبة سماوية يمكن التحكم بمواقع النجوم فيها، وتم تجربة سماء صافية وسماء مليئة بالغيوم. لقد قاموا بنقل طيور من اماكن جغرافية بعيدة من اجل دراسة فيما إذا كان المكان الجديد قادر على ان يؤثر على قدرتهم على تعيين الاتجاهات. كلما زادت التجارب تعقيدا كلما اصبحت الصورة عن قدرات الطيور اكثر كمالا.
لقد ظهر ان الطيور تملك العديد من الطرق لإلتقاط الاشارات الضرورية لتحديد الاتجاه. في الايام الصافية تقوم الطيور بإستخدام الشمس لتحديد الاتجاه، ولكن الشمس لوحدها لاتكفي اذا تفترض قدرة الطيور على معرفة خط سير الشمس في مختلف ساعات النهار. في الليل تكون النجوم وسلة اكثر ثقة لتحديد خط السير بمساعدة نجم الشمال.
في الايام الغائمة تستخدم الطيور الحقل المغناطيسي للارض من اجل تحديد الاتجاه. ولكن لاتقرأ الطيور اتجاه الشمال الغربي كما نفعل نحن بإستخدام البوصلة وانما يشعرون بزاوية الحقل المغناطيسي مع سطح الارض. بالاقتراب من القطب المغناطيسي تصبح الخطوط المغناطيسية بإتجاه ان تكون قائمة مع سطح الارض، في حين تتوازى مع سطح الارض قرب خط الاستواء. لذلك فان خطوط الحقل المغناطيسي تعطي معلومات لاتتعرض للتغيير بسبب حالة الطقس. عندما يقوم العلماء بتقديم معلومات متعارضة بين حالة النجوم في القبة السماوية وبين الحقل المغناطيسي تختار الطيور الحقل المغناطيسي.
بعض الانواع لها القدرة على الطيران لمسافات طويلة، ليلا ونهارا، دون توقف. هذه القدرة هامة للغاية للتمكن من عبور الصحراء الكبرى مثلا، التي تمتد 2000-3000 كيلومتر بدون طعام او ماء. قبل بدء رحلتهم لعبور الصحراء تقوم الطيور بأكل طعام غني بالدهون. قام العلماء السويديين ببحث العوامل التي تحفز شهية الطيور على الاكل قبل رحلة الصحراء. لقد قاموا بتعريض نوع من الطيور الى اشعة مغناطيسية تشبه الاشعة الموجودة في شمال الصحراء الافريقية. النتائج ظهرت بسرعة. الطيور بدأت بالاكل السريع وكأنهم امام رحلة الصحراء مع انهم لازالوا في المختبر السويدي.
المعطيات الجديدة عن هجرة الطيور تظهر بوضوح ان هذه العملية تخضع لتحكم العديد من الظواهر الطبيعية. بعض الطيور مثل Cuculus canorus, لاتتعلم الطريق من والديها ولذلك فأن خارطة الطريق لابد انها موجودة في المورثات، وهذه الطيور تهاجر الى جنوب افريقيا، بغض النظر فيما اذا قام بتربيتها طيور اخرى التي تقوم بالهجرة الى غانا او إذا ربتها طيور )القبعة السوداء) وتسمى باللاتيني Parus palustris الذي تقوم بالهجرة الى جنوب انكلترا.
الباحثين الالمان استخدموا نوعين من طيور القبعات السوداء احدهم يعيش في جنوب المانيا والاخر في النمسا من اجل اثبات ان القلق الذي يفرض الهجرة تتحكم فيه الجينات. هذين النوعين يصلون الى مناطق هجرتهم عبر طريقين مختلفين. النوع الالماني يبدأ الهجرة في الخريف في اتجاه الجنوب الغربي، في حين النوع النمساوي يتوجه الى الجنوب الشرقي عبر البلقان. عندما قام العلماء بتزويج النوعين بين بعضهم البعض جاءت الافرخ تحمل مورثات من كلا الطرفين وانعكس ذل على الطريق التي اختارته الافراخ، لقد اختاروا طريقا وسط بين الطريقين، واصبحوا يتجهون مباشرة الى الجنوب.
عندما قام الباحثين الالمان بتزويج طيور القبعة السوداء الالمانية مع مثيلتها من جزر افريقية تتميز بكونها لاتهاجر على الاطلاق ظهرت الافراخ بمواصفات جديدة. القبعة السوداء الالمانية يستمر وقت قلقها 450 ساعة، في حين الافراخ المشتركة لم تكن تملك الا 210 ساعة من القلق المؤهل للهجرة. بمعنى اخر نصف الوقت الموجود عند احد الاباء. هذا الامر يدل بوضوح على ان القلق الباعث على الهجرة وخريطة الطريق كلاهما موجودين مسبقا في المورثات، عند هذا النوع من الطيور.
وحتى لو كانت المورثات تملك اهمية بالغة عند هذا النوع من الطيور لتقرير مستقبل بدء الهجرة وخط السير الا ان ذلك لايعني ان الامور باكملها مُتحكم بها ببرنامج مكتوب مسبقا. لقد اظهرت هذه الطيور قدرتها على التعامل الخلاق مع اختيار الطريق واختيار وقت بدء الهجرة. قبل بضعة عشرات السنين كانت القبعة السوداء نادرة في انكلترا، ولكن منذ عام 1960 اصبحت تقضي الشتاء في جنوب انكلترا. هذه المجموعة انحدرت عن المجموعة الالمانية ولاقت نجاحا في اختيارها. ببضعة سنوات تمكنوا من ان يصبحوا مجموعة مستقلة بذاتها.
هذه المجموعة برهنت على قدرات التطور الكامنة، من اجل التلائم مع معطيات البيئة المتغيرة. خلال 20-10 جيل تحولت هذه المجموعة من طيور مهاجرة لمسافات متوسطة الى طيور مهاجرة لمسافات قصيرة. العلماء يسمون هذه الظاهرة بالتطور الاصغر. مالذي جرى لهذه الطيور خلال هذه الفترة القصيرة تجاوز كل توقعات العلماء حول شكل التطور عند فصيلة الحيوانات الفقرية
ويحاول العلماء، إضافة الجديد كل يوم في أساليبهم لتتبع هجرة الطيور .. الطريقة.. .. وقد دخل استخدام الرادار والأقمار الصناعية حديثا في توضيح طرق الهجرة وارتفاع وسرعة الأسراب المهاجرة.
معجزة الطيران :
خلق الله الطيور بعظام خفيفة وجوفاء ولكنها بالغة القوة والمرونة نظراً لوجود دعامات داخلية عظيمة ..ويحتوى جسم الطائر على جيوب هوائية متصلة بالرئتين تسهل عملية التنفس وطفو الجسم وخفته .. كما أنها تسمح له باستنشاق مزيداً من الأوكسجين ولها طرق عديدة في طيرانها .. قد يستلزم الأمر خفق الأجنحة ببطء وثبات كالأوز الكندي canada goose. أو تخفق جناحها بقوة ثم تنحدر علي الهواء محمولة بقوته مثل النسور والصقور .. وهي تفعل ذلك حتى لا تفقد كثيراً من طاقاتها.
كيف تهتدي الطيور ؟؟؟
الهجرة – فطره ربانية وغريزة وراثية .. .. فالطيور الصغيرة تهاجر بنجاح دون مساعدة الكبيرة الخبيرة بالرحلة ذاتها – كأن خريطة ثابتة قد رسمت علي جينات هذه الطيور كما ذكرت مجلة “العلوم أون لاين”. وقد عرضت المجلة تجربة فريدة قام به العالم helbig حين زوج الطيور المغردة النمساوية والتي تهاجر باتجاه الجنوب الشرقي .. بالطيور المغردة الألمانية والتي تسلك الاتجاه الجنوبي الغربي في هجرتها إلى إفريقيا.
1. ستندهش بأن تعرف أن الطيور الصغيرة الناتجة عن التزاوج سلكت طريقاً وسطاً بين طرق الآباء ..وهو طريق يمر بها عبر جبال الألب الوعرة لم يسلكه الآباء من قبل .. وكأن الخريطة ؟ قد جمعت بين الطريقين.
2. تستخدم الطيور بجانب هذا .. الإبصار العادي في الاهتداء إلي طريقها فهي عادة ما تكون قوية الإبصار .. لها مجال واسع للرؤية كطائر الحمام pigeon الذي يستطيع أن يري ما وراء .. والصقر تعادل قوة بصره ثمانية أمثال الأسنان .. وهي تحدد لنفسها بعض المعالم الأرضية .. كالتلال والوديان أو الأنهار والجبال .. وتسافر بعض الطيور الملازمة للأرض بمحازاة شواطئ البحار والمحيطات كما تستخدم الحمامة حاسة الشم في طريقها.
3. موقع الشمس وغروبها .. من أهم الطرق الخاصة بالطير .. الذي يفضل الهجرة بالنهار .. كما تستخدم الطيور المهاجرة ليلا مواقع النجوم لتبين طرق رحلاتها.
4. تستطيع الطيور التعرف علي طريقها بحسابات لها مع المجال المغناطيسي للأرض . في معجزة عجيبة .. .. ويعترف العلماء، رغم ما توصلوا إليه من استنتاجات أنهم ما زالوا لا يعرفون إلا القليل وأن أمامهم مشوار طويل من الأبحاث لمحاولة فهم الظاهرة.
وللرحلة مخاطر :
ولا شك أن رحلة طويلة كهذه لابد وأن تكون محفوفة بالمخاطر .. فأسراب الطيور قد تواجه العواصف الشديدة ..والمطر الغزير ..والضباب .. وغيرها من التغييرات المتوقعة .. تحاول أسراب الطيور أن تهبط إلي الأرض متى أمكن هذا حتى لو لم تكن البيئة مناسبة .. والطيور الصغيرة قد تكن أكثر عرضة للاضطراب بل والموت . بعض الطيور قد تغير وجهتها إلي أرض أخري ..وقد تستطيع في بعض الأحيان أن تنظم سرعتها وتعيد ضبط مسارها الطبيعي إذا ما واجهتها الرياح العاتية .. فتقطع بعض الطيور رحلتها من الأطلنطي علي السواحل الشرقية الأمريكية .. تقابلها الرياح الشمالية الغربية التي تأخذها إلي مسار جنوبي مارة بمثلث برمودا الشهير ..وهناك تقابل الرياح الشمالية الشرقية التي تأخذها إلي مكانها إلي جنوب أمريكا . وهناك بعض المشاكل قد تحدث من وراء المجال المغناطيسي للقطب الشمالي مما قد يحول الطير إلي اتجاه معاكس عن بغيتها .. ألا أن الطيور تتغلب على هذه المشاكل بإعادة ضبط بوصلتها المغناطيسية بطريقة غير معروفة بالضبط حتى الآن.
• إذا لم تكن قد رأيت أسراب الطيور المهاجرة من قبل فقد فاتك الخير الكثير.. فحاول أن تبحث عنها الآن فهذا موسم هجرتها، فقد تجدها قريبة منك جدًّا وأنت لا تشعر، واشكر الله عز وجل (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) على هذه النعمة الجليلة.
جمع واعداد
د/ عبد العليم سعد سليمان دسوقي
مدرس علم الحيوان الزراعي
قسم وقاية النبات
كلية الزراعة – جامعة سوهاج – مصر