عربة الترحيلات
عربة الترحيلات
بقلم: مي ذكري
ركب السيارة المتجهه الى سجن أبو زعبل. فسوف يقضي عقوبته قبل ان يتم إعدامه لقتلها. قتلها بناءً على طلب من رجل الأعمال المشهور. كان قد حسب كل شيء! لن يتم التعرف عليه.. و محرضه وعده بالمال و المستقبل المضمون… قتلها لأن محرضه لم يستطع لها من سبيل و هو من أغدق عليها بالأموال و الهدايا و الحياة المنعمه. أمره بقتلها لانها فضلت عليه من لا يضاهيه مالا أو شهره.
ما زال يذكر نظرة الفزع عندما رأته يتجه نحوها بنصل السكين! مازال يذكر توسلاتها بأن يتركها تعيش….! تلك اللحظه التي تحول فيها من انسان الى وحش كاسر غادر…
الطقس شديد الحرارة.. و العربة حديد و تزداد حرارة مع قرب انتصاف الشمس في السماء.. الجميع بائسين حتى المبتسمين فيهم. و فجأه سمع صوت طلقات رصاص على العربه.. وقفت السياره و هاجم السجناء الضباط و الامناء…. هرب هو و ركض بأقصى سرعة. اخذ يركض و يركض و هو لا يعرف الى أين… مازال به ما يدفعه للحياه و يحارب من أجلها… أطلق ساقيه إلى الريح إلى أن وصل لكوخ صغير… كانت الشمس قد غابت..
دخله يبدو انه استراحة أحد الفلاحين … جلس ليسند رأسه على حائط الكوخ المصنوع من سيقان نبات الغاب. شخصت عيناه للأعلى متأملة السقف المنبعثه من خلاله بضع بقايا ضوء شمس تغيب… تذكرها فهي النور الذي طالما اضاء لياليه..ابتسامتها و نظرتها الخجولة..ضحكهما سويا و عهودهما بالبقاء معا. تذكر كيف انسحبت من حياته بعد أن وعدته أنها لن تكون إلا له. انسحبت بعد أن اصبحت كل ما يتمنى.. انسحبت لتتزوج ممن يستطيع أن يعطيها رغد العيش.. تزوجت ممن أغدق عليها بالهدايا و الحلي..
انتبه لصوت عواء الذئاب .. أصبح انسانا بلا قلب .. استغل حطامه صاحب الشركة.. اغواه بتعويضه عن كل آلامه. اتفق معه على قتل معشوقته التي غدرت به و ارتبطت بآخر. وافق لينتقم من كل امراة غدرت برجل.. من كل من ضحت بمن يحبها.
قرر أن يذهب ليحضر المال الذي كان قد خبأه و يقوم باتصالاته للسفر خارج البلاد. و هناك سيبدأ من جديد!سيتزوج امرأة و سيغدق عليها بالأموال لتحبه و تبقى معه إلى النهاية. و سيؤسس عمله الخاص و ينمو و سيقوم بالأعمال الخيريه التي ينسى بها الناس ماضيه.. سيصبح فخرا لكل من يعرفه و ستندم حبيبته أنها تركته. ستتمنى لو انها لم تتركه. و عندها سيقبل الزواج بها فلطالما احبها. حتى عندما كانت تتصل به من وقت إلى آخر بعد ان تزوجت لتطمئن عليه كان يزداد شوقا لها! ابتسم ابتسامة ساخره.. تطمئن عليه؟! تطمئن على ضحيتها! سيعود لها و لكن ليذلها و ربما يقتلها مرة ثانيه! … و هنا بكى لاول مرة منذ اقترف جريمته. مازال شيء من الرحمه في قلبه. بكى لفراقها و بكى ضحيته..
بكى ماضيه و حاضره.. بكى انسانيته…. بكى حتى غفا.
كانت الشمس قد انتصفت في السماء. انتبه ليجد أن السيارة قد وصلت لبوابة السجن الذي يدخل منها المساجين. أيقظه السائق قائلا: وصلنا يا سعادة البيه.
آه ذلك الحلم الذي دائما ما يقتلها فيه!
نزل من المقعد الأمامي و توجه الى العربه الخلفيه ليشرف على نزول المساجين من العربه. ناهرا إياهم بأسوء الألفاظ و دافعا إياهم بيديه، مشمئزا مما جنت أيديهم!