الدجل في أزهى عصوره
بقلم/ نجلاء الراوي
إنتشرت فى السنين الماضية عدة ظواهر سلبية تضر بالمجتمع وتقدمه ، فنجد إحدى هذه الظواهر ظاهرة الدجل التى انتشرت بشكل كببير ، والمقلق فى هذا إنتشارها عبر قنوات فضائية ، فالدجالين والدجالات أصبحوا يطلوا علينا عبر شاشات التلفاز و يعلنوا عن أنفسهم وعن قدراتهم الفوق خارقة!!والأغرب إنسياق بعض الناس خلف هؤلاء وتصديق ضلالتهم فقد كان إنسياق البعض خلف هذه الفئة الضالة كان سبب فى إنتشارهم وتفننهم فى جذب أكبر عدد من المغيبين فأصبحنا كثيراً نسمع من أشخاص أنهم مسحورون ومحسدون ، إذا تتبعت قصص معظم هؤلاء وتفكرت فيها فستجدها فى حقيقتها بعيدة كل البعد عن سحر أو حسد ، فستجد أن هذا الشخص قد إختار له شماعة يعلق عليها خيباته ، وبدل من أن يعترف أنه فشل فى أمر ما فيختار تلك الشماعة ، اعتقاداً منه أن هذه الشماعات تحفظ له ماء الوجه ، وتجد أناس أصبحوا مهوسين بتلك الخرافات
فأذكر يوما ما إشتكت إحدى السيدات أن خادمتها تقول لها أنها مصابة بالسحر والحسد وهناك من يكيد لها ، و أنها تتردد على أحد الشيوخ لكى يعالجها ، فذهلت السيدة من يكون عدو لتلك البائسة فهى تثير الشفقة نظراً لصعوبة ظروفها ، فليس هناك المركز العلمى أو الإجتماعى أو العائلى الذى يثير الأحقاد ضدها وليس هناك أى مسحة للجمال حتي ، لكن السيدة حسبما روت قالت إنها اكتشفت من خلال حديث الخادمة أن الخادمة تتهم شخصية مهذبة وعلى مستوى علمى وإجتماعى عالي وكانت الخادمة تعمل لديها فى السابق، فأندهشت السيدة وتحدثت مع صديقة لها تعمل بمجال المعالجة النفسية وروت لها حديث الخادمة فقالت لها المعالجة أنها تعانى من شعورها بالغيرة من السيدة التى تتهمها وترى فيها ما يميزها فمحاولة لا إرادية محاربتها بتلفيق هذه التهمة لها ، ومن الممكن أن كراهية الخادمة الشديدة وعدم رضاها عن وضعها سبب لها من المرض النفسى الذى جعلها تؤمن بكل فشل وراءه هذه السيدة
وهناك من يتأخر زواجها فتعتقد أن ورائه سحر وتبتئس وتبدأ فى البحث عن العلاج لدى الدجالين الذين يلقبوا بشيوخ ، ونسيت أن إرادة الله فوق كل شيء ، وقد تجد شخص متزوج ولكنه لا يقدر هو أو وزوجته مسؤلية الحياة الزوجية فتدب المشاكل بينهم ، وبدلاً من إصلاح النفس يعلقوا مشاكلهم أو فشل حياتهم الزوجية على تلك الشماعة السهلة ألا وهى السحر أو الحسد ، وهذا يوصلنا إلى أن بعضاً من المهوسين بالسحر قد يكونوا مرضى، أو لديهم مشكلة ما يعانون منها ويسقطونها على الأخرين ، هذه عينة من هؤلاء الذين يقضون عمرهم على قولاً واحداً أنهم مسحورين ! فهذه بعض النماذج وهناك من النماذج الكثير التى لا حصر لها تسعى جاهدة وراء هؤلاء الدجالين وينفقون أموال طائلة ، وكم تناولت صفحات الحوادث جرائم هؤلاء الدجالين من نصب وإبتزاز وطلب أموال كثيرة ، وكثيراً ما يوهمون ضحاياهم من النساء بضرورة المعاشرة الجنسية من أجل فك العمل، وعندما يتم القبض على بعضاً من هؤلاء الدجالين يكون قد أفسد أو تسبب فى فضيحة لإحدى ضحاياه الذى غاب عقله وإيمانه بالله ، وسلك طريق الضلال ، وللأسف دعمت هذه الظاهرة ظاهرة أخرى ، وهى إنتشار صفحات على مواقع التواصل الإجتماعى بالدعاء للمسحور والمحسود بكلمات ما أنزل الله بها من سلطان ، وتجد حجم المشاركة لتلك الصور والأدعية كبيرة ، وتدل على إعتقاد مشاركيها أنهم مسحورين أو محسودين ، وفى الغالب هم يفضلوا الإثنين معاً ، فأى إنجاز قد قام به المعتقد بأنه مسحور ومحسود حتى يكيد له أحد ؟
وحتى إذا وجد الإنجاز هل يساوى إنجاز العلماء أو الأطباء أو غيرهم ممن برز أسمه عالمياً وتفوق فى مجاله ، ولما لم يُسحَر ويَحسَد هذا الناجح ،، هى شماعات للفشل لا أكثر ، ونوع من التعويض النفسى فهو يرغب أن يلفت إنتباه من حوله أنه صاحب قيمة وأن هناك من يسعى ويلجأ للسحرة من أجل محاربته ، فيحاول تبرير شعوره بالنقص والفشل من خلال تلك الشماعة ،بدلاً من إصلاح نفسه ،لكن مكمن المشكلة هى فى الأجيال القادمة التى تنشأ على إعلانات فى التليفزيون للسحرة وأنهم أصحاب رسالة تصل لحد الفضل ، فهم يأتون بالعريس ويردون المطلقة ، والمضحك أيضاً وتعتبر آخر صيحة فى إعلانات الدجالين وهى إخراج المسجون من السجن ، وعدم رؤية الأجهزة الشرطية له فى الأكمنه ، وجعل الجسد ضدد الرصاص!! إلى آخر تلك الخرافات التى يجب أن يحاسب القانون مدعيها ، وأراها الكفر البَيِّن، و نوع والعياذ بالله من تحدى الله ، ما أراده الله للإنسان من رزق أو إبتلاء يستطيع هذا الدجال تغيره، أين عقل متبعيهم وأين إيمانهم بالله الذى يقدر البلاء لحكمة له ؟ وهو الذى يصرفه ، إن الضار والنافع هو الله وإن ما يصيب الإنسان كله بإرادة الله ، وبالطبع لا أنكر وجود السحر والحسد وذكره فى القرأن الكريم ولكن لا أنسى أبداً “وما هُم ضَارين بهِ منْ أحدٍ إلا بإذن الله”
ولا أنكر وجود ضعاف النفوس الذين يلجأون لهؤلاء الدجالين لكي يساعدوهم في أذى شخص ما بدافع الحقد والكراهية ، ولكن اليقين بأن إرادة الله هي التي سوف تنفذ في هذا الشخص وليست إرادة سحر ، ويقيني أن من يتبع هذا الطريق فقد ضر بنفسه وخرج من رحمة الله ، فمن يحسد أو يسحر فعاقبة أمره عند الله وخيمة من حساب.فالعقل الحكيم عندما يصيبه الإبتلاء يتقرب من الله ويدع أولئك السحرة وأعوانهم لحساب المولى عز وجل ، والإعتقاد التام أنه لن يأذيه سحر أو ما يكره إلا بإذن الله والله خير الحافظين ، والاعتقاد والإيمان بالله وحده هو علاج فى حد ذاته ، ولكن من يعتقد بالسحر ويصدقه وينسى قدرة الله ويسعى خلف الدجالين والدجالات فقد أدخل نفسه فى دائرة لا خير فيها ،وعمل الدجال يقتضى بأن لا يقول للشخص أنت موهم وليس بك سحر أو حسد فهذا مصدر دخله، وكثيراً ما تفنن الدجل فى أشكال مختلفة ، فسمعنا عن تلك الشجرة المباركة وقدرتها فى شفاء الأمراض ، وعن الترعة المسكونة وعن مقام الشيخ البركة الذى لا يعرف أحد حتى أصله أو أسمه الحقيقى ، أو حليب البقرة التى تشفى من الأمراض ، أو القرية التى يشعل فيها الجن النار!! كلها مؤشرات للتراجع للخلف وتفشى الجهل والبعد عن الدين ، وعدم محاربة الشخص لنقاط فشله وتصحيحها وترسيخ عقيدة السحر أو الحسد فيتواكل ويوهم نفسه كذباً حتى لا يسعى للنجاح ، وأتسائل أين أجهزة الدول على رأسها جهاز الأمن من أولئك الدجالين ، فهم ليسوا بحاجة لجمع معلومات فهم يدلون بمعلوماتهم على شاشات التليفزيون ، ويدَّعون قدراتهم على إخراج السجين من سجنه إلى آخر تلك الإدعائات التى يعاقب عليها القانون ،فيجب أن يبادر الجهاز الأمنى للقبض على هولاء الدجالين ومحاربتهم والقضاء عليهم وعلى إنتشارهم الذى بات ينظر بخطر الجهل والتخلف فى القرى والمحافظات و كل مكان إتخذه أهله مزاراً وأنه مقدس وله بركة لابد أن يُهدم حتى نبنى مجتمع سوى ، فالقضاء على الخرافات يحتاج مجهود ، وعلى كل من يقابله شخصاً ما يشكوا له أوهام سحر أو حسد ، أن يضع حقيقته أمامه ، ويواجهه بالشماعة التى يتكأ عليها ، ولا ينساق فى مجاملته ويقوم بإحراجه ، فالمباشرة والحقيقة خيراً له وللمجتمع ، من الصعب أن تبني وطن فى ظل الإعتقاد بالخرافات والدجالين و إعلانتهم على شاشات الفضائيات كل ربع ساعة.