حوار الأكفاء الأنداد.
بين العقل الشاعر والقلب الفقيه !
العقل : مرحباً أيهُّا الخافق فينا بنبض لا يكل ولا يمل ولو فى جوف الليل.. مرحبا بأصل الشقاء والألم !
القلب : أهلا أيُّها الحكيم الحاكم فينا ولولاك لما تصدعت من الندم !
العقل : كيف أحوالك اليوم ؟ فأنت فى تقلباتك كل حين ..كبحر يعج بأمواج تختلج .
القلب : ما زلت أنبض وأعاني ..ومهما عانيت فلن أبرح مكاني .
خلقت لأجل قيمة نبيلة تجعل منك إنسانا وتمنحك الرقي السامي .
وأنت طمئني عنك؟
العقل : وأنا أيضا ما زلت أعمل وأتدبر ..وأنشط كلما خففت من ضوضاء خفقانك أكثر..
متى عساك تهدأ أو تصمت ؟
القلب : أنت مسكينٌ أيها العقل أنت مجردُ آداةٍ للتفكير الجامد بلا شفقة ! إنجازاتك وتمرزك حول ذاتك ..
كصنم مقدس تشعل له نيران المذبح فلا يعبأ ..
العقل : وأنت مجرد نبض يخفق لأعيش أنا وأنشط ؛ أنت لا تعمل إلا من أجلي.. ومن أجلى فقط يعيش كل مبدأ .
القلب : لا.. أنت تبالغ..
والكِبر أعماك فأنت تزهو وتتعنت ..أفـِق أيها المتمادي فى طغيانك كمن أرعَد وأزبـَد !
فأنا الانسان , وأنا الشاعر والفنان و أنا البلسم والإحسان , أنا الحزن والسعادة , أنا الأنقى وزيادة ،
أنا الأشعار والحب..
أنا ألحان دافئة تنطق بلا حروف ..تنادى فيك من المجد صنوف .
أنا الذي مر على من السنين ألوف..
وما كتب الناس فى شكري قطوف.. وينشدون أشعارهم فيما لاقوا من حتوف..
و بدوني ليس هناك حياة إلا أن تختلى بالكهوف.
العقل : بل أنت المفرط و فى ضلالك تتخبط ..فالمشاعر والاحاسيس والحب والأشعار منبعها مني أنا..
ضوء المنار ..مرشد الحيارى على الدروب العفار ..
فهل رأيت مظلوما أحب ظالمه أو انسانا أحب عدوه ؟ الحب عقل وحسابات وظروف.
القلب : بدوني أنت عقل قاسي كالحجر لا أنيس لك ..محروم من الوصل والتواسي..لاتبالى بأوجاع من حولك !
ولا تأسى على أنس ولا بأس.. ومصيرك محتوم فى الغد والأمس ..عجوز وحيد يموت فقيرا على كرسي ..
لن يبكيك خليل ولن يشيعك أصيل فأنت فى عداد الموت منسي ..
وأنت من عشت مغرورا بإنسجامك الداخلى ..
وإكتفاءك بذاتك دون تعسِ .
كطاووس يستعرض عضلاته فى ريش بالألوان مَكسِيّ !
العقل : يالك من أحمق.. أمازلت تهذي !! أنت حقا لا تعرف قدري.. انا الفرق بين الانسان والحيوان ،
أنا مناط التكليف والحساب والمكسب والخسران ..
أنا العدل والرشد والإتقان ..فمن لا عقل له هو كل شيء ، عدا أن يرقى لكونه انسان.
القلب : أنظر حولك !!
فاليوم عرفوا قيمتي أنا لا أنت ..
أفنوا أعمارا ليبحثوا عني فى كل من كان له قلب أو على قائمة الانتظار..
حيث لا يدرك عزتي وقيمتي إلا من فقد قلب أو خاب أمله على الدرب.. فلم يعد يحيا أو يحس..
وأنا بين متبرع وزارع لا أقدر بأبهظ الأثمان ..وأنا حتما أرضى أن يحل مكاني قلب آخر حتى يبقى الانسان ..إنسان ؛
كأي إنسان.. فمن وهب الحياة ليس كمن سلب الأمان !
فقط النبيل من يعطي ويناضل بتفانٍ ..وتقدير وعرفان !!
العقل : أنا لا أتغير فأنا صديق مخلص للإنسان ولا بديل لى ولا قطع غيار ؛ ذلك لأنى فريدٌ من نوعي . .
القلب : ” من لا يتغير يفنى ” !
العقل : أنت تترك صديقك بدون عودة ومن يترك صديقه ليس بانسان !
القلب : أنا الحب.. والحياة بدون حب .. جحيم وحرمان .
العقل : أنت اذا توقفتَ عن العمل يموت صديقك , أما أنا فإن توقفتُ عن العمل ربما يبقى الانسان على قيد الحياة.
القلب : الموت أرحم لصديقي من أن يعيش نصف حياة.
العقل : لولا وجودي لما عرف الانسان خالقَه .
القلب : لقد أنكر الانسان وجودك فأنكر وجود الله.
العقل : ألا تعلم أنه من فقد الله مات قلبه؟
القلب : ومن وجد الله أنرت له دربه.
العقل : بدوني لما وجد صديقُكَ اللهَ.
القلب : بدوني لما أحبَّ صديقُكَ اللهَ.
العقل : لولاي لما استطاع الانسان الاستمرار في الحياة لأنه دائما يفكر ويبتكر ويكتشف كل جديد ليبقى على قيد الحياة.
القلب : لقد ذكرني خالقي في كتابه في الكثير من الآيات,ألم تسمع قول خالقي ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب” ؟
العقل : أما أنا فقال خالقي في “ان في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب”
القلب : أنا القلب ولا شيء أخر.
العقل : أنا العقل ولا أقبل مسمى آخر.!
شكراً لقلوب_عاقلة_وعقول_حساسة_راقية ؛ فالمثال المحتذى أن نكون من أولى الأفئدة ..
لا العقل وحده يُـشبِـعك ..ولا القلب وحده يـُسعِـفك.
فخذ من قلبك لعقلك حتي يلين ؛ وخذ من عقلك لقبلك حتي يستقيم ، وعش بوعي الفؤاد فتتيقظ بصيرتك !
فؤادك وحده يملك زمام العقل والقلب معا ؛ فيندمجا في بوتقة انصهار واحده تبلغك أعلى مراتب الانتصار الانساني وسبق الإبداع الوجداني ..
حيث التكامل الأسمى فى الوجود..
إنه انسجام الجسد والروح ..
سكينة التراحم والتلاحم.