شعر وحكاياتعام

الهروب من الواقع


الهروب من الواقع

قصه قصيره 

بقلم : إخلاص عبد المحسن
إستيقظت من نومها و أدت فريضتها ثم جلست بجوار الشرفه فقد اعتادت أن تبدأ يومها باحتساء القهوه و قراءة الجرائد في هذا المكان كل صباح
كانت تقرأ في صفحة الإعلانات و إذ بها تفاجئ بالوظيفه التي طالما حلمت بها
فورا أحضرت اللاب توب و أرسلت السيره الذاتيه الخاصه بها على العنوان الإلكتروني المرفق بالإعلان
و سرعان ما جاءها الرد بموعد المقابله الشخصيه
ذهبت بكل حماس و كلها أمل في أن تحوز القبول و تشغل تلك الوظيفه
و قد كان
بدأت بالعمل و كونت صداقات عده
و كان من بين هؤلاء الأصدقاء و الزملاء شخص مميز و له مكانة مختلفة في قلبها عن بقية الزملاء و الزميلات
كانا يتبادلان النظرات و المشاعر الصامته إلى أن آن الأوان و قرر زميلها أن يطلق العنان لمشاعره بالبوح 
و يزيح ستار الكتمان
طلب منها تحديد موعد للمقابله في إحدى الحدائق أو المطاعم
ترددت في بادئ الأمر ثم قررت الذهاب 
فقد كانت تفضحها مشاعرها تجاهه
طلب منها بأن يتقدم فورا لخطبتها فقد أحبها درجة العشق بجنون 
و لن يستطع أن يكمل حياته بدونها على حد قوله
وافقت دون تردد و حددت له موعد مع أسرتها و تم الزواج و عاشا سويا أسعد اللحظات
أنجبا طفلا جميلا ملأ البيت بالبهجة و السرور 
مرت الأيام 
و كبر الطفل 
و التحق بالمدرسة المجاورة للمنزل
و كان دائما يرافق والده في الذهاب للمسجد لاسيما في صلاة الجمعه
في يوم من الأيام كان الزوج في طريق عودته للمنزل فانقلبت به السياره و توفي على الفور
صدمت الزوجه صدمة شديده و عاشت حزينه لفترة من الزمن لكنها صبرت و احتسبت و نظرت في وجه طفلها فأفاقت و قالت في نفسها
هناك من يحتاج رعايتي
لابد من أن أستفيق
و أعود للحياة مرة أخرى من أجله
كرست حياتها لتربية الولد 
و عاشت على ذكرى والده
حتى كبر و صار طبيبا
كان إبنا بارا و كان حسن السمعه 
كان يحبه الجميع 
لدرجة أن إمام المسجد الذي كان يصلي به 
كان يقدمه للإمامة بدلا منه
مرت الأيام و افتتح الطبيب عيادته
و علق لوحة كبيره تحمل عبارة 
الكشف و العلاج مجانا لغير القادرين
كانت عيادته دائما ما تكتظ بالمرضى و كان يرجع للبيت منهكا و لكنه كان سعيدا
و كانت والدته تشاهد ملامح أبيه في وجهه 
فتسعد به و تبتسم و تتذكر السنين التي مرت كالثوان
كانوا يتناولون العشاء مع تجاذب أطراف الحديث من هنا و هناك و كانت دائما تخبره برغبتها في تزويجه بابنة خالته قائلة له .. عاوزه افرح بيك بقا و اشوفك جنب بنت خالتك في الكوشه
و كان دائما يرد .. يا ماما لسه بدري
نام الطبيب ذات ليلة و دخلت والدته لتوقظه في الصباح كي يذهب إلى عمله كالعاده
و لكنه لم يستجب
أحمد … أحمد
لم يرد أحمد
إتصلت و الدته بزميله الطبيب ليأتي فيسعفه
و لكنه حين حضر صدم صدمة شديده و لم يدري كيف يخبر والدته
فقلبها يشعر و لكن عقلها يرفض التصديق
فهمت وحدها دون أن يتلفظ زميل ولدها
و لكنها لم تنطق كلمة واحده 
أخذ منها هاتفها و اتصل بأختها التي جاءت مسرعة يملاؤها الحزن و الدهشه
أجهشت بالبكاء و بدأت بالصراخ و العويل و لكن أختها لم تتكلم و لم تبك دمعة واحده
كانت تنظر بدهشة و خوف حولها 
أنهت أختها و عائلتها مراسم الجنازه
و بدأوا بالإنتباه لحالة أختهم التي بدأت تسوء يوما بعد يوم
ذهبوا بها للطبيب فقرر إيداعها إحدى المصحات العلاجيه حيث أنها تحتاج لعلاج نفسي طويل المدى
كانت تتابعها أختها و تزورها الأسره من وقت لآخر
تعرفت على بعض المرضى بالمصحه و أصبحت تشعر معهم بالدفء و الأمان 
نسجت لنفسها واقعا جديدا و عاشته مع زملائها من المرضى
كانت عندما تأتي أختها للزياره لا تعرفها 
و تسألها من أنت
استمر العلاج فترة طويله و بدأت بالتعافي و التماثل للشفاء و لكنها عندما أفاقت و تذكرت الواقع
هرب عقلها منه و رفض تصديقه مرة أخرى
جاءت أسرتها لتستلمها حسب موعد الطبيب
و لكنها رفضت و أخذت تبكي و تبكي
لا أريد الرجوع لا أريد الرجوع
أنا لا أعرفكم 
أهلي هنا و أصدقائي هنا
و قررت البقاء في المصحة بقية حياتها
هاربة من واقع مرير لا يتحمله بشر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock