كتب / خطاب معوض خطاب
النابغة كامل الخلعى … و الخلعى تنطق بضم الخاء و فتح اللام … كان خطاطا و رساما و أثر عنه أنه غنى ، كان فيلسوفا رحالة شاعرا موهوبا و أديبا مبدعا و روائيا و لغويا فصيحا ، يحرص الكبراء و الأعيان و العلماء و الأدباء على حضوره مجلسهم و محاورته و مناقشته و سماع أغانيه و ألحانه فقد كان ملحنا نابغة و موسيقارا مبتكرا .
ولد محمد كامل ابن سليمان الخلعى الدمنهورى فى يوليو سنة 1870م و قيل سنة 1876م بالأسكندرية حيث كان والده أحد الضباط المصريين بحامية الأسكندرية ، و هو دمنهورى الأصل ، و كان الضابط سليمان الخلعى من الضباط الذين انضموا لأحمد عرابى فى ثورته و بعد هزيمة عرابى و جيشه تم تسريح الجيش و كان من بين من تم تسريحهم والد كامل الخلعى .
تعلم كامل الخلعى بالمدرسة الإبتدائية بالقاهرة حيث ارتحلت أسرته و هناك بدأت رحلة كامل الخلعى مع العبقرية و المأساة ، انفصلت والدته عن والده بالطلاق و بالطبع تأثرت حياة كامل الابن بهذا الأمر ، حيث تفرقت مشاعره بين أمه و أبيه و أصبح يقضى معظم أوقاته بالشارع بعيدا عنهما ، ترك كامل الخلعى الدراسة بعد الإبتدائية و أصبح يعمل رساما و خطاطا بشارع محمد على فكان يكتب لافتات الفرق المسرحية و الغنائية و هناك بدأت تزداد علاقته بالفن و الفنانين و بخاصة الشيخ سلامة حجازى .
ألف كامل الخلعى و هو فى سن ال 26 كتابا سماه الموسيقى الشرقية ثم ألف كتابا آخر سماه نيل الأمانى فى ضروب الأغانى ، اختلط الخلعى بالكثيرين من جنسيات أخرى و تعلم لغاتهم فأجاد التحدث بالتركية و الفارسية و الإيطالية و الفرنسية و زار العديد من دول العالم و قضى بها سنوات من عمره ، فزار بلاد الشام و تركيا و إيطاليا و فرنسا و تونس و غيرها .
حينما عاد إلى مصر عمل أستاذا للموسيقى و فاجأ المصريين بنبوغه و إبداعه و تفرده فى مجال تلحين الأوبرا و الأوبريت و هو ما لم يسبقه إليه مصرى آخر ، فأبدع فى أوبرا اللؤلؤة ، لص بغداد ، و العديد من الأوبريتات لفرقة منيرة المهدية و على الكسار و غيرها و بلغ عدد الأوبريتات التى أبدعها أكثر من 40 أوبريت و احن لفرق جورج أبيض و أمين صدقى و الأخوان عكاشة و غيرها .
كما لحن و ألف العديد من الأغانى و الأدوار و الطقاطيق للعديد من المطربات و المطربين ، غنت أم كلثوم من أشعاره 5 أغنيات لحنها داود حسنى منها : جنة نعيمى فى هواك ، قلبى عرف معنى الأشواق ، كما لحن أغنية من تأليف عميد الأدب العربى طه حسين تقول كلماتها : أنا لولاك كنت ملاك .. غير مسموح أهوى سواك .. سامحنى فى العشاق أنا مشتاق .. غير مسموح أحب سواك ، و ترك أكثر من 500 لحنا .
صاحب نقيب الأشراف محمد توفيق البكرى الذى قدمه فى ندواته بقصره بالخرنفش ،كتب الخلعى رواية سماها : أنين و حنين ، كان كامل الخلعى بجاتب عبقريته الأدبية و الفنية يتمتع بصفات طيبة فقد كان كريما عطوفا على الفقراء و ذوى الحاجات ، كسب من الفن آلاف الجنيهات فى زمن كانت من يمتلك فيه بضع جنيهات يعد من الأثرياء ، لكنه كان ينفق كثيرا على الفقراء و الكادحين و المحتاجين و بلغ كرمه درجة أنه كان يطوف الشوارع و الحارات بحثا عن الكلاب الضالة و القطط المشردة ليطعمها .
كان كامل الخلعى صاحب مبدأ و فلسفة خاصة ، كان ثريا زاهدا فى الدنيا يتصرف تصرفات يحتار من يراها هل صاحبها عبقرى عاقل أم مختل العقل مجنون ، يحكى توفيق الحكيم عنه أنه كان على موعد معه ليذهبا لأحد المسارح القريبة من بيت الخلعى ، كان الحكيم مهندم الثياب فى كامل أناقته بينما سار معه كامل الخلعى بثياب المنزل و كتب ابحكيم مقالا قال فيه نصا : كنا نسير ، هو بثياب مثل ثياب الشحاذين و أنا بملابس الأفندى كاملة .
و يحكى توفيق الحكيم أن الشيخ سلامة حجازى كان جالسا على أحد المقاهى و أشار لأحد ماسحى الأحذية ليلمع حذاءه و بعدما لمع الحذاء إذا بالمفاجأة !!! ماسح الأحذية ما هو إلا كامل الخلعى و أمام ذهول الشيخ سلامة حجازى من المفاجأة أراد أن يخرج مبلغا من المال ليعطيه لصديقه العبقرى الذى أصبح ماسحا للأحذية رفض الخلعى و قال لا أريد أكثر من 5 مليمات مقابل مسح الحذاء .
نفس القصة وردت فى عدد من المصادر لكن كان عازف القانون الشهير محمد العقاد مكان الشيخ سلامة حجازى ، عاش كامل الخلعى مبدعا و لكن طغت شهرته كموسيقى على قيمته العلمية فحجبت عن الناس شخصيتن كأديب و شاعر و فيلسوف ،كان ثريا لكنه مات فى يونيو 1931م معدما و ترك وراءه مئات الألحان التى اقتبسها و سرقها من جاؤا بعده و حققوا من ورائها ثروات هائلة و شهرة كبيرة بينما كان يعانى أولاده من أحوال الدنيا .
المصادر :
مجلة الرسالة العدد 311 الصادر 19 يونيو 1939م .
جريدة الخليج 29 فبراير 2012م .
معجم البابطين لشعراء العربية .
مجلة ديوان الأهرام العدد 22 .
