بقلم : نبيل القيسي
رحم الله الرئيس محمد أنور السادات ، بطل العبور سنة 1973 م .
نعم من حقه علينا أن نترحم عليه ، بل أن نرفع له قبعاتنا تحية إجلال وإكبار لِما لمسناه الآن ، وفي هذا الوقت بالذات الذي أصبحت متاحةً لدينا تقنية أجهزة ألـ GPS NAVIGATION) ) وهي التي تُسمى بالعربية بأجهزة الملاحة وتحديد المواقع ، المرتبطة مباشرةً بالأقمار الصناعية .
لم يكن يخطر في بالي منذ تعرفت على هذه التقنية ما بها من تفاصيل دقيقة بل خطيرة ، للحقيقة كنت أحسبها فقط وسيلةً من وسائل الإرشاد على الطرقات التي تسهّل علينا تحديد الطرقات للوصول إلى هدفنا ، أي بمعنى آخر كنت أحسبها مثلها مثل أي خريطةٍ في أطلس تُظهر لنا الطرقات وفروعها كما تُوضّح الجبال والتلال والأنهر وما شابه .
أما أن تغوص في تفاصيلها وترى ما بها من إمكانيات هائلة ، تُذهل ، نعم تُذهل .
ليس لك حاجةٍ لكي تشتري أحد هذه الأجهزة من أحد المحلات ، يكفيك أن تستخدم هذه التقنية بواسطة جهاز المحمول الذي تحمله بيدك ، فمعظم أجهزة المحمول الحديثة أصبحت تحتوي على مثل هذه التقنية بوجود خاصية الإنترنت ، وما أن تدخل على شبكة النت إلا وقد أصبحت في عالم الفضاء ، لكي لا نقول أنك أصبحت كجاسوس فضائي أو قائد طائرة تجسس ينظر إلى كوكب الأرض من فوق ، فاختار ما تشتهي نفسك أن تختار من كافة المواقع . ما عليك إلا تحديد موقعك والموقع الذي أنت ذاهب إليه ، ويكفي . . لتتولى هذه التقنية إرشادك إلى أنجع وأسهل الطرق أو الكباري أوالأزقة التي يتعين عليك إتباعها لتصل إلى هدفك ، علماً بأنها ترصد لك الطرقات المغلقة أو التي بها زحمة سير لسببٍ أو آخر ، مع رصد أسماء كافة الطرقات والمواقع التي تمر بها ، صحيح أنها بلكنةٍ أجنبية ، إلا أنك تستطيع أن تفهم ما اسم هذا الطريق أو هذا الميدان أو هذا الكُبري ، وكل ذلك على المكشوف . . لا بل فاتني أن أذكر أنه وبناء على متوسط السرعة التي تقود بها عربيتك أنت ، مقارنةً مع شدة الزحام أو سهولته يستطيع الجهاز أن يحدد لك بدقةٍ متناهية الوقت الذي ستصل فيه إلى هدفك بالتمام ، وإن اختلفت سرعتك عما ابتدأت به يتم تعديل زمن ووقت الوصول .
الأدهى من كل ذلك فإن هذا النظام يتيح لك بل يستخدمك بالفعل كي تكون عاملاً مساعداً في استحداث البيانات والمعلومات الموجودة فيه ، وعلى سبيل المثال ، لو أنّ إسم طريق قد تم تغييره رسمياً ، فهناك إمكانية لك بأن تُدلي بمثل هذا البيان ، أي وكأن هذه التقنية توظفك لبناء قاعدة بياناته ، ولك أن تتصور عواقب مثل هذه الإمكانية لدى أصحاب النفوس المريضة أو الشريرة أو الإرهابية . . فهل ترانا نتجسس على بعضنا دون أن ندري ؟
أعود لما بدأت به في مقدمة هذا المقال من ترحمنا ورفع قبعاتنا إحتراماً لروح الرئيس محمد أنور السادات .
صحيح بأنّ هذه التقنية لم تكن آنذاك ، أي سنة 1973 متوفرةً للعموم أمثالنا ، إلا أنّ تقنية الأقمار الصناعية كانت متوافرةً للجهات الحكومية والعسكرية بشكل خاص ، أي أنّ بلادنا وحدودنا كانت مكشوفةً لتلك الدول التي تضمر لنا شراً ، وأنّ أي تحركٍ كنا نقوم به براً أو بحراً أو جواً كان معلوماً لهذه الدول العدوّة ، وهذا ما دعاني لكي أترحم على روح الرئيس السادات وأرفع له قبعتي إحتراماً ، الذي استطاع بحنكته وبفضل جهود المحيطين به من القادة العسكريين أن يُضلل عتاولة الأقمار الصناعية ويجعلها تتوهم بأن تحركات الجيش المصري ما هي إلا مناورات تدريبية روتينية يقوم بها أي جيشٍ في العالم ، لينفذ من خلال هذا التضليل لهم إلى شنّ هجومه في العاشر من رمضان ويحقق النصر الذي كنا نتعطش إليه كثيراً ، فيُعيد لنا كراماتنا ، ويُعيد لنا أرضنا .