كتب . د. احمد زكريا
-4-
غاب باروخ كثيرًا فى الاسكندرية وانقطعت أخباره بعد أن ارتحل مع معلمه لبيزنطا، ومن قبل سفره كان الأبوين الفقيران قد ماتا وشيع “أشفور” وادمون” جنازتيهما فى صحراء البساتين، وفى مصر القديمة صار الولدان يعملان فى صناعة الذهب والمصاغ، فى كل يوم كانا يصنعان المجوهرات العقود الذهبية لقصر الخلافة ومع ذلك ظلا فقيران لا يملكان سوى قوت يوم بيومه،
وكان يتضحاكان أن كان لكل منهما دينار من ذهب فأعطاه ابوهما الفقير جدًا لباروخ الذى ما من احد يعلم أين هو الآن ؟ حتى يرعاهما ويعتنى بهما، كانا يجدان فى هذه الحكاية الكثير من التسلية المبكية؛ إذ ظلمهما اخيهما وشاركه فى ذلك الأب والأم ولكن ماذا يفعلان وقد رحل الجميع ولم يتبق إلا الخيبة؛ ومع ذلك فقد ظلّت حياتهما سعيدة نوعًا ما تى وقع حادث مؤسف فى قاعة الفضة فقد “أشفور” فيه بصره فأصبح أعمى بينما اصابت نار الفضة المذابة يدا “أدمون” فاحترقتا.
وهكذا لم يعد اى منهما يصلح للعمل ثانية فى صناعة الحلى؛فأحدهما ضرير لم تشفى عيناه أبدا و الآخر شفيت يداه ولكنها ظلّت مرتعشة طوال الوقت؛ وتحولا إلى شحاذين يجلسان طوال النهار عند بوابة معبد “بن عزرا” يلتمسان ما تجود به أيدى رواد المعبد، وفى المساء يتعكز “أشفور” الضرير على كتف أخوه “أدمون” فى طريقهما عائدين لبيتهما المتواضع وفى الصباح يذهبا للمعبد فيشتركا مع جمهور المصلين فى صلاة الصباح و ثم يتخذا مجلسيهما عند البوابة الكبيرة، كان هذا حالهما يوميًا، حتى جاء يوم نهرهمها أحد الاثرياء عن الجلوس فى مدخل المعبد و هو يقول:
“كيف تطلبان منى طعام؛ تدّعيان المـــــــرض وأخوكما “باروخ” هو أشهر طبيب فى أرض مصر،
“كيف تطلبان منى طعام؛ تدّعيان المـــــــرض وأخوكما “باروخ” هو أشهر طبيب فى أرض مصر،
لو ذهبتما له فى القاهرة سيعالجكما بنفسه، أو ليتكفل بكما و يطعمكما.. هو أولى بكما من الغرباء”