كتب . د. احمد زكريا
(القرن الثانى عشر)
-8-
-8-
أرسل مجلس بنى مقرأ بعريضته لناجد مصر رئيس كل اليهود وحدث ما كان وتنبأ به الحاخام الأكبر للقرائين، فقد تجاهل الناجد العريضة وسوّف فى أمر البت فيها؛ ولكن ما لم يعلمه الناجد حتى استدعى للقصر، أن عريضة أخرى أرسلها القراؤون للخليفة نفسه؛ تحدثوا فيها عن تقصير الناجد فى أمر البت فى دعواهم بحجة مصاهرته لأحد الفرقاء المتخاصمين؛
ولمّا ثبت صحة هذا القول أسقطت شهادته فى المحكمة التى جرت وقائعها فى قاعة العرش ذات الباب الذهبى التى شيدها “جوهر أغاخان”؛ قبل أن تبنى القاهرة!! هناك شاهد وفد القراؤون غرائب ونفائس من العمارة والبنيان أنستهم سبب حضورهم لذلك المكان الذى فاق كل العوالم التى يعرفونها وتلك التى سمعوا بها،
فى ذلك اليوم المشهود عرف قرائى الفسطاط أين ذهبت كل القناديل الذهبية التى كانت تطلب منهم صناعتها إذ شاهدوها معلقة فى أركان القاعة البديعة؛ وشاهدوا أشياء وأشياء من ذهب وفضة كانوا بالأمس يمسكونها بأيديهم فى صاغة المصاصة بالفسطاط واليوم لا يتجرأون على اختلاس النظرات نحوها مخافة تبعات ذلك عليهم.
فى القاعه عندما دخل القراؤون كان الخليفة يجلس فى المنتصف وعن يمينه أئمة الجامع الأزهر وعلمائه وشيوخ الاسلام يجلسون على مقاعد مرتفعة من صنعة بلاد الروم ومن خلفهم قادة وعساكر لم يروى أحدهم من قبل إلا وبصحبته آلاف من الجنود وعلى يسار عرش الخلافة جلس الأحبار الربانيون على مقاعد مشابهة يتوسّطهم الناجد وجميعهم تدثر بالملابس السوداء فيما عدى “باروخ” الطبيب لا يزال مرتديًا معطفه الأصفر وحقيبته الخشبية الملئية بالعقاقير والأدوات الطبية،بينما تركت مقاعد خالية عرف القراؤون انها تخصّهم، ألقى القراؤون بالتحية التى درّبها عليهم “ياور” القصر ثلاث مرات قبل عبور البوابة الذهبية، وعندما قاموا تحركوا متلعثمين ليجلسوا بجوار إخوتهم من الربانيين حيث أشار لهم الناجد الذى ما من أحد يعلم ماذا كان يدور فى رأسه ساعتها!
منح الناجد نظرة سريعة لحاخام القرائين ذلك الشيخ العربى الطاعن فى السن؛ وهمس إليه وهو يهندم من عبائته التى جلس عليها الشيخ المرتبك فقال الناجد: “مرحبًا أخى فى التوحيد , كلمات قليلة قد تنقذ حياة ثمينة، كثيرون دخلوا هنا وقليلين رافقتهم رؤوسهم عندما خرجوا” ثم ربّت بيده المرتعشه على ظهر شيخ القرائين وهو يقول: “لقد بدأتم هذا الأمر والله وحده يعلم كيف سينتهى “