النترو .. من هم . (1)
اعداد / احمد ياسر ..
التقديم :
أكد المؤرخ اليوناني ” هيرودوتوس ” بطريقة يبدو منها بوضوح انه لم يكن لدية ادني شك فيما يقول ان اهتمام المصريين الزائد والذي يصل الي درجة الوسوسة بكل الامور المتصلة بالعقيدة قد جاوز كل المقاييس وقد بني حكمه هذا من واقع ملاحظته لمدي الحرص الذي يؤدون به طقوس عقائدهم والتي تهدف في جوهرها الي تقديس عناصر الطبيعة ( النترو) كذلك من الطاعة التي يظهرونها للوعاب الذين يتوسطون بين البشر وهؤلاء النترو ..
و وعي تماماً ان المصريين قد قدسوا وابجلوا عددا ضخماً من الحيوانات والطيور والزواحف بجدية واهتمام ادهشوا كل من خالطهم من اليونانيين الا ان كلماته لم تحمل اي طابع من الاستهجان لعلمه التام ان هذه الاعمال الغريبة عنه تكمن جدية تدل علي ايمان راسخ ومحكم يستحق احترام المفكرين .
وتدل الآثار وما تحويه من دلالات تدل علي مكنون عقيدتهم ونظرتهم للكون علي مدي سمو فكرهم وعقولهم منذ العصور المبكرة وحتي العهود المتأخرة من تاريخهم .
إن أجدادنا كانوا قوماً من نوع خاص فيما يتصل بالتصورات العقائدية فقد اظهروا تشبثاً بالعقيدة وتحفظاً في كل العصور ميزهم عن جميع الامم القديمة الكبري وسبب لهم شهرة خاصة بين المهتمين بالديانات , ليس بسبب عقيدتهم فقط وانما لتعدد النترو المبجلين عندهم فقد قدسوا حيوانات وطيور واسماكاً وزواحف في كل الحقب واضافوا لها تقديس قوي الطبيعة الكبري وكائنات عديدة كالسماوات والارض والهواء والسحب والشمس والقمر والنجوم والماء , ويرجع ذلك في الحقيقة الي الادوار التي لعبها كل عنصر من هذة العناصر في حياة المصري القديم اذ ان كل عنصر منهم قد ساهم بشكل كبير بل واساسي في تأسيس واستقرار حياة اجدادنا القدماء .
وتأسست نظرتهم لقوي الطبيعة في البداية من منطلق انهم ظنوا ان عناصر الطبيعة وظواهرها المختلفة هي نتاج اعمال تلك القوي الغير مرئية كما سنوضح في العناصر التالية .
إن من سوء حظ الامم الغير مصرية عدم معرفتهم لماهية قصد المصري القديم من تصوره للنترو , وقد يكون ذلك لأسباب عديدة مثل ان المصري القديم جمع جميع الحيوانات والارواح والكائنات الحية جنباً الي جنب مع قوي الطبيعة ووصفها جميعاً بكلمة ” نتر ” والذي يمكن من التجاوز وعدم الدقة ان تترجم الي ” إله ” رغم علمنا التام ان المصري القديم انه ومنذ فجر التاريخ – وإن لم يكتب هذا بوضوح بيّن – قد فرق بين النترو الرئيسيين والثانويين وبين تلك الصديقة وتلك الباغية .
ولتوضيح أكثر سنتتبع الفكرة في الديانات اللاحقة لعصر المصري القديمة او المتزامنة معه , فعل سبيل المثال نجد في القرءان ان الله قد خلق الملائكة وجعلها رسله للبشر وزود كلا منها بزوجين او ثلاثة او أربعة ازواج من الاجنجة طبقا لدرجتها وأهميتها …
وان كبير الملائكة جبريل كان له ستمائة زوج من الاجنحة .
وفي الاسلام للملائكة مهام متنوعة وعديدة فالتي تدير جنهم تسعة عشر والتي تحمل عرش الله في يوم القيامة ثمانية اخري وهناك من الملائكة عليها ان تمزق الارواح الشريرة وتخرجها من الاجساد بعنف بينما تقوم اخري بقبض الارواح الخيرة برفق وكياسة .
وفي الاسلام يصاحب كل انسان علي الارض ملكان احدهما علي اليمين ليدون الحسنات والآخر علي اليسار للسيئات وهما يظهران معه يوم القيامة احدهما سيقوده الي المحاكمة والآخر سيحمل البينات سواء له او عليه .
والملائكة بالنسبة للفقهاء المسلمين خلقت من النور وقد وُهبت الحياة والحديث والسببية وهي غير قادرة علي فعل المعاصي ولا توجد لديها رغبات شهوانية , والملائكة لها اربعة رؤساء وهما ميكائيل وجبريل وعزرائيل واسرافيل الذين يتمتعون بقدرات خاصة ويوكل اليهم الله مهاماً بعينها .. هؤلاء الاربعة هم اقضل من الجنس البشري كله فيما عدا الرسل .
مما سبق ومن ملامح اخري يمكننا الاستشهاد بها نجد ان الملائكة في الدين الاسلامي تملك في العموم نفس صفات النترو المصريين , فإذا كان العديد من افكار العرب – بدون شك – قد تم استعارته من العبرانيين وكتاباتهم التي ورثوا شطرها الاكبر عن اسلافهم الاقدمين فسنعرف مدي تأثر كل ديانات المنطقة ببعض ببعض من هذا الخصوص .