شعر وحكاياتعام
قلمٌ سَجينْ
بقلم الشاعرة: وفاء العشري
قلمٌ سَجينْ
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )
هي كلمةْ مُنَزلةً مِن سَبْعٍ طِبَاق
وأي كلمةٍ
صَداها عَميقُ وكَبير
اقرأْ …..
كلمةٌ كانَ فيها البَدْءُ
على الحَبيبِ المُصطَفى
وفي الكتابِ تلاوةً
( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ )
( الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ )
هوَ أمرٌ من اللهِ ربُّ العرشِ العظيمِ
فَهناكَ سِحْرُ القلمِ وسمُّوهُ عندَ البشرْ
هي الخُطوةُ الأُولى للعُلا
للمعرِفَةِ … ضوءٌ يُنِيرُ الدَّرْبَ
ويقتلُ الجَهْلَ
فيهِ البَلاغَةُ
اقْرَأْ …
ولَمْ نَقْرَأْ إلَّا قليلا
قلمٌ ما وُجِدَ إلّا للحَقِّ
ولمْ يَنطِقْ باِلحَقْ ..!
صارَ عقيماً
فقَدَ رَوْنَقَهُ … راحَ البَهاءُ وانْدَثَرْ
عقيمةٌ هيَ الكلِماتُ .. يا صديقي
نكتُبُ على الوَرَقِ
فَيُحْرَقُ الوَرَقْ
نكتبُ على الرِّيحِ
وقدْ اغتَالوا الرِّيحَ
بلِا فائِدةٍ يا صَديقي فَعِطْرُكَ في فَمِي
في دَمِي
لكنَّهُم عَقَروكَ في وَضَحِ النَّهارِ
فَرَغْتَ من خُصوبَتَكَ
وقدْ أصْبَحْتَ رحماً عاقراً
وكمْ مِن أقلامٍ مأْجُورة
تُحْقَنُ بالسُّمومِ
حتى تَموتَ الكلماتْ , قبلَ أن تُولدَ
ويشْتَعِلُ العالمُ بغيرِ ذنبٍ
وها هيَ الشوارعُ شاهدةً
على الصُّراخِ
والبكاءِ
ولا مُجِيبْ
اصواتٌ تُطالِبُ بِحُرِّيَتِها
وانتُم تَمنَعونَ الهواء
وما زِلنا نَنْزِفُ
والقلمُ اَضْحى أحمراً …. بلونِ الدّمِ
قلمٌ أضْحى لا يُرْسَمُ بالكلِماتْ
اضْحى غريباً
في بِلادي …
لا يكتُبُ الحروفَ المُضِيئةَ
بل اَنهارٌ مِن الدِّماءِ
الكلماتُ عقيمةٌ يا صديقي
تنتحِرُ في رَحْمِها
لا تخرُجُ أبعدَ من فَمِي
رغْمَ موسوعَتِنا الكبيرةَ
وقواميسِ اللُّغَةِ المُبَعثَرَةِ
كلماتٌ كلماتْ , مُبَعثَرَةٌ كَغُبارٍ يَتَلاشى
لا عُمْقَ فيها
بلا هدفْ لا فكرْ لا رِسالة
فَقُلْ لي لِم تَركنا البَلاغَةَ والبهاء
لقد سَقَطنا …
سُقُوطٍ مُدوي ..
وكَمْ مِنَ الفُجُورِ نَرى
ومِن المَأْجُورينَ
من باعُوا أنفُسَهُم للشَّيْطانِ
وكَمْ مِن الاِنْبِطاحِ نَرى
فقدْ تلوَّثَ القَلَمْ
أينَ أنتَ , أينَ البَلاغَةُ
أيُّها القَلَمُ المُبَجَّلِ ..؟
تعالَ وخُذْ من دَمِي قَطْرَةً
واكتُبْ مَهازِلَ التّارِيخِ
تعالَ و اصْدُقْنِي القَوْلَ
مِن دَمي مَنَحْتُكَ الحياةَ
فَقَطَعوا الشِّرْيانَ
واعْتَقَلوا أحْرُفي
وسَجَنوا كَلِماتي وراءَ قُضْبانِ السُّلطانِ
والسّجّانُ يَتَلذَّذْ
هُمْ جُبَناءَ يَخافونَ الكَلِمَةَ
يخافونَكَ في السُّطُوعِ
يَخَافونَكَ مُكَبَّلاً
يَحْمِلُونَ بَنادِقَهُم في وَجْهِكَ
يَقْتُلونَ صَرْخَتَكَ في مَهْدِها
فلا حُرِّيَّةَ في بِلادي
جُبناءَ … جُبناءْ هُمْ يُقاتِلونَ الكَلِمَةَ
فكيفَ للقَلَمِ بأنْ يفضَحَ الطُغيان ؟
ممنوعْ التَّعْبير ……. !
ممنوع التَّنَفُّس إلّا بإذْنِ السَّجّانْ
تباً .. تباً فَقَدْ ظَنّوا بِمَوْتِكَ
يَموتُ الكَلامُ بِقَصِّ القَلَمِ
واعتقالُ الحُروفِ وراءَ الغِلافِ
خلفَ الشّمس يقتُلونَ الحَياة
مَات الكلامُ … مَاتَ الكلام
دَفَنوكَ حياً
ونَحَرُوا الكَلِمات
لكنَ هَيْ هَاتَ أن تَموت
فما زالَ لكَ بريقٌ
لن تموتَ صرخةً
كلِماتُكَ تُطاوِلُ السَّحَابَ
تُطالِبُ بالاِنبِعَاثِ من جديد
هيَ كالدَّمِ تَسْري في الوَريدِ
تحتَ مساماتِ الجلدِ
تَخْتَبِئُ حتى يأتيَ مَوْعِدُ الوُلوجِ
فلا تخشَى يا قلمي
فالسُّلطانُ ظالِمٌ
لا تَبْتَئِسْ يا صديقي
إنَّ غَدَنا لقَريبْ
لا بُدَّ من طلوعِ الفَجْرِ
لا بدَّ للشَّمْسِ أنْ تُشْرِقَ من جَديد
سأَقْبِضُ عليْها بِكَفِّي
بِجُرْحي .. بِمَلْحي
فَكُنْ سيفاً مُشْرَعاً
في وجُوهِ العَبِيدِ
يا صديقي …
كن فجراً ناطقاً بالحَقِّ
فالحقُّ لا يَموتْ
لا يَموتْ