شكوته إلى الله …
مصطفى الحاج حسين .
كنتُ قد طبعتُ عندَ المدعو ( محمد بن يورف
خرزون ) أربعة دواوين شعرية ومجموعة
قصصية .. وهناك أيضاً ثلاثة دواوين شعرية ،
ومجموعتين قصصيّتين ، كان من المفترض أن يتم
طبعهم منذ أكثر من ستة أشهر ، وأنا أدفع له سلفاً
لكي يقوم بالطباعة ، في كلّ مرّة يأخذ مني بحجة
أنّه لا يملك أن يشتري ورقاً .. وهكذاتورّطت
وأعطيتهُ ، ضمن إتّفاق أن ينهي الطباعةِ ، ويرسلها
لبيتي ، خلالَ نصف شهر ، ومضى الوقت ، وفي كلّ
مرّة كان يعتذر منّي ويعطيني موعداً آخر ، وحين
يأتي وقتَ الموعد يأخذ بالتهرّب متعلّلاً بحججٍ
واهية ، أو يتظاهر ويدّعي المرض ، فأتظاهر
بتصديقه وأنا أعلم أنه كاذب .. فأقول له :
– سلامتك ياصديقي ، وأدعو له بالشفاء العاجل ،
وأخجل أن أسأله عن مصير الكتب التي تأخر عليّ
في طباعتها ، وارسالها لي للبيت .
و من خلالي كان قد تعرف على كتاب وكاتبات ونقاد
كثر ، لهم اسمهم وأهميتهم ، فأخذ يتعامل معهم ،
يطبع لهم ويدقق كتاباتهم لغوياً ، وأنا من سذاجتي
أمتدحه لهم حين يسألونني عنه ، أمتدح أخلاقه
وأسعاره وحسن التزامه ، وأنا أعاني منه الإهمال
التام ، كلّ هذا لأنّني دفعت له سلفاً ، فهو قبل أن
أتورط معه، وأعطيه التّكاليف مقدّماً ، كان في
منتهى الروعة ، من حيث التٌعامل والرقّة والإلتزام ،
وعرض خدماته الكثيرة .
عندما انتهى من طباعة ديوانيّ الثالث والرابع قال
لي :
– بصراحة أنا لا أملك النقود حتى أحاسب الشركة
التي قامت بتجليد الكتابين .
ولهذا استطاع أن يستغلني ويجبرني على الدفع له
مرة ثانية ، مع العلم أنني كنت سابقاً قد أعطيته
حقه ، بل ويزيد لي عنده ، قلتُ لنفسي :
– سأقطع عليه عندما يطبع لي في المرة القادمة .
وهكذا كان يضيّع عليّ الوقت ، ونقودي في حوزته ،
لا يردها لي ، ولا يقوم بالطباعة ، حتى أنّني مللت
من وعوده وكذبه ، ولكن ليس باليد حيلة ، فأنا
تورطت معه وانتهى الأمر ، وعليّ أن أسايره ، وأن
أتظاهر بتصديقه ، ( الحق الكذاب لوراء الباب )، كما
يقول المثل الشعبي ، ومع هذا :
-( إنّما للصبر حدود ) . كما غنّت السيّدة ( أم
كلثوم ) ، فإلى متى عليّ أن أصبر و أساير وأتظاهر
بتصديقه ؟ ، في حين وجدته بدأ يظنني ويعتبرني
غبياً ومغفلاً وأصدّق كلّ أكاذيبه الغبية ، بل صار
يستهتر حتى بمستوى كذباته ، فلا يكلّف عبقريّته
الفذّة ، بتأليف أكاذيب مقنعة ، وعلى مستوى يليق
بمكانته السّامقة ، ولهذا لجأت لطريقة التوسّل
والشكوى ،أذكره بمرضي وبأنّ عدم التزامه معي ،
يسبب لي رفع نسبة السّكر عندي ، فيبدأ بتوجيه
النّصائح الطبية لي ، وعن ضرورة الإقلاع عن
التدخين ، صرت أرجوه كالأطفال ، وأقول له :
– كرمى لله وللرسول .
على أساس هو رجل متديّن ويعرف الله ويخافه ،
لكنه كان يقول لي كلاماً معسولاً بدون نتيجة ، بل
أخذ يفتعل الخلافات والمشاكل ويتظاهر بالزعل
والحرد ، وبأنّه ماعاد ينشر لي ، وكنت أقول له :
– ياأخي إذا كنت لا تريد أن تطبع لي ، فردّ لي
نقودي ، لكي أطبع عند غيرك .
هنا كان يصمت ، ثم يأخذ بتقديم التنازلات ، ويبدأ
بمدحي وتعظيم كتاباتي ، كتب عنّي الكثير ، وأطلق
عليّ لقب ( العقاد الجديد ) ، وهكذا صار يحرجني
ويرغمني على إطالة بالي والانتظار ، ولكن إلى
متى ؟! .. لقد سئمت من وعوده ، قلت له :
– إن كانت القضية بسبب النقود ، فأنا أدفع عنك ،
كلفة التّجليد ،كما فعلت في المرةالسابقة .
لكنه في كلّ مرة ، كان يتفنن بالمواعيد .. وحين
يقترب الموعد يفتعل مشكلة معي .. لمن ألجأ ؟! ..
لا أريد فضح أسرارنا ، صرت أتصل به فلا يرد ،
أكتب له فيتأخر في قراءة ما أرسلت له ، وبعد
القراءة يتجاهلني ، حاولت كثيراً ، وأنا أكتب له :
– صديقي مابك ؟ ماذا حدث ؟ ولم تتعامل معي
بهذه الطريقة ؟! .. أرجوك كلمني ، ردّ عليّ .
ولا من محيب .. صرت أقسو معه بالكلام بعد أن
كنت أخاطبه بكلمة أستاذي وأخي وصديقي ، وكل
هذا دون جدوى ، فقد أصرّ على مقاطعتي .. كتبت
له :
– رغم أنك ضيعت عليّ من الزمن الكثير ، ولكن ردّ لي
نقودي لأطبع في مكان آخر ، مع أني لن أسامحك ،
بما ضيعته عليّ من وقت .
ولا يرد ، أخذت أهدده بالفضيحة فحظرني ، كتبت
لابنه الذي كان يأتي لعندي لكي يأخذ مني النقود ،
فهو مطلع ويعرف كل شيء ، قال لي ابنه :
– تكرم ، انتظر ، اعطني فرصة لأحدث أبي . وبعد أن
كلم والده كتب لي :
– ليس لك عندنا نقود .
وراح يغلط بحقي .. طلبت من أخي التكلم معه ، فهو
صديقه منذ زمن بعيد ، لم يرد على أخي ، لجأت
لصديقة لنا أديبة كبيرة من المغرب ، حاولت
الاتصال به ، فلم يرد عليها ، لأنه أدرك سبب اتصالها
به ، في اليوم الثاني تحدث أخي معه ، فراح بكذب
عليه ونكر حقي .. أردت أن أهدده فكتبت على
صفحتي بالفيس ، بضع كلمات غامضة دون أن أذكر
اسمه أو صفاته لكي لا يعرفه أحد ، راح يرسل لي
التهديدات عن طريق أصحابه ، بأنه سيقاضيني هنا
في تركيا ، فأنا لا أملك وثيقة موقعه منه ، تثبت
بأنه أخذ النقود مني . أشخاص كثر كتبوا لي على
الخاص يسألونني عنه ، من هو هذا النّصاب ، وكنت
أمسك نفسي عن ذكر اسمه ، لكنه كان يفضح نفسه
أمام أصحابه الذين تدخلوا وراحوا يطلبون مني
حذف المناشير ، وهم سيتكلمون معه ، وكنت أنا من
غير أن أعرفهم ، أقول لهم :
-أنا أقبل بكم ، احكموا بيننا، وإن كنتم من طرفه .
وهكذا اكراماً لهم حذفت ما كتبت مرتين ،
والأبشع من هذا ، اتصل بي صديق من طرفه ، وقال
لي:
– يامصطفى الكتب التي يطبعها لك، ليست نظامية،
وغير معترف عليها ، فهو يضع اسم دار نشر مصرية
دون علمها ، وهذا مخالف للقوانين الدولية ..
وممنوع عرض كتبك في المعازض ،وبيعها في
المكتبات .
وهكذا تكتمل القصة معه .
– للقصة بقية – مصطفى الحاج حسين .