رحيل الشباب
كتب : رؤوف جنيدى
كسياط ملهبات تنطلق نظراتها لتجلد جور ايام خوالى . أتت على الأخضر منها واليابس . ترمق هذه السيدة العجوز بعيون قرح جفنيها أزيز عكازين تتأبطهما . يدقان الأرض بوخزات لوامة لماض أسدل ستاره وانسحب من بين جنبيها تاركا اطلال عنفوان كان فتيا . وبقايا أنوثة ما غابت عنها شمس الشباب لسنوات عديدة .
عكازان يحملان الآن خصرا كم تمايلت على دلاله رؤوس . وسيقانا كم كان وقع كعبيها على الأرض كنقر حبات المطر فى ليل موحش على نوافذ الساهرين وحدهم دون ونيس .
تنظر هذه العجوز بنظرات يملؤها الحنين الى ريعان الشباب . واخرى مستسلمة مقرة بناموس الله فى خلقه أن جعل فينا من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة . ناظرة الى قدرها طوعا لا كرها . انه لن يلج جملها فى سم خياط الشباب مرة أخرى لتحيك ثوبا جديدا من شباب مأمول أو نضارة ما هى بعائدة . بعد أن بلى حبلها وانسد بحماقات الزمن سم خياطها .
تمر من أمامها أولى محطات عمرها الذى ولى . لتكشف عن نظرها غطاءا جعل بصرها اليوم حديد . ما كانت تود أن ترفعه تلك الفتاة . التى أسمعتها بوقعها ضجيج ثمانين عاما علقت بين عجلاتها زهرات الشباب و درجات عمرها الاولى . تاركة لها عينين شاحبتين . وجسدا مازال يخطو خطى وئيدة ليبقى ولو على حواف العمر .
عادت لتستند على عكازين تحملهما الأرض . يتأبطانها كما كانت تحملها امها ايام طفولة غارت فى جب الحياة . عادت تحملها أرض الله . تلك الأم التى خلقنا الله من احشائها . فالكل منها وإليها ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) .
تنظر العجوز الى مقتبل عمرها الذى يمر أمامها . تحدثها عيناها حديث من ينادى على ماضيه عله يعود . ويحدثها قلبها حديثا أودعه الله إياه . إنما هى أيام الله يداولها بين الناس . فلكل فى دنياه عمر هو قاضيه . ولكل من دنياه كفل هو جانيه . وما الحياة إلا شباب يرحل وسكينة تبقى . نفس تزمجر صبا وحيوية تحمل آمالا عريضات ونفس آمنة مطمئنة تحمل سماحة ضيوف الله فى الأرض . وتحمل قلبا عامرا بالرضا داعيا لأبناءه وأحفاده عمرا مديدا ونهجا خاليا من سخافات الأيام وحماقاتها . ناطقا بوحدانية الله وتفرده بالبقاء . فلا بقاء لأحد ……… بل ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ) .. صدق الله العظيم .