شعر وحكاياتعام

رحلة موت


خالد عبد المنعم
بعد زيارة قصيرة للطبيب ، ملأتنى خواطر سوداء ، لم أكن أتوقعها على الاطلاق ، ولذا فانى فشلت فى مجرد تخيل وجودها بل كانت مفاجأة مدوية لى ، جعلت عشرات الاحتمالات تعمل معا وتتفاعل فى رأسى ولكل منها أكثر من احتمال حتى كادت رأسى أن تنفجر ، فمنذ عدت من عند الطبيب وأنا لا أتوقف عن التفكير ، وعقلى آثر التوقف عن التدبير ، وما عاد قلبى ملكى بل تركنى وشارك فى ماراثون النبضات التى تسارعت بدورها وبصورة لم يسبق لها مثيل !
أصبحت مطالبا باجابة أكثر من ألف سؤال يدور فى رأسى و فى وقت واحد ، وكلما حاولت الانصراف عن الموضوع كليةً وطمأنة نفسى ، وجدتها -أى نفسى – ترفع راية مكتوب فيها “الوقت يمر” !
ما قاله الطبيب كان كمشهد الصاعقة فى أفلام الأبيض والأسود ، مشهد لا يمكن السكوت عنه ، أو التغاضى عن آثاره ، أو اصدار فرمان بمنع التفكير فيه ، ولم يكن أمامى الا متابعة المشاهد الأخرى وتدبرها وانتظار النهاية !
منذ تلك اللحظة ، بدأت أنزلق فى داخلى ، وأهوى وأتوه حولى ، بل لا أستطيع حتى التحرك خطوة للأمام ، لا أعلم بالضبط هل أنا واقف ثابت فى مكانى ، أم نائم راقد على الأرض ؟ ، ماذا يحدث ؟ وكيف يحدث ؟ ولِمَ يحدث؟ لا أعلم ولكن كل ما أذكره هو آلام شديدة انتابتنى وأصابت رقبتى وظهرى ، كعلامات باهتة لخشونة أو ماشابه كما اعتقدت وأخبرنى الكثيرون من المحيطين بى !
“دى ان شاء الله حاجة بسيطة ” ، ” ياعم مفيش حاجة ياعم ، انت كده بتوهم نفسك ! ” ، ” بس ادهن فولتارين ودفيها كويس وادخل نام وانت تصحى زى الفل ” كانت هذه العبارات بمثابة المخدر الذى أدمنته وأمدنى بطاقة منعتنى من التوجه للطبيب حوالى عام ونصف ، بل كانت تمر داخل قلبى كبساط من حرير وتبث فيه الطمأنينة والسكينة !
لم أكن أتخيل أن آلاماً فى الرقبة والظهر ستكون بمثابة النهاية ،وستكون بداية رحلة طويلة مع مرض سرطان العظام،رحلة طويلة من العلاج من المرض العضّال أو ربما رحلة قصيرة تكون جائزتها الكبرى تذكرة رحيل .
دلفت بذاكرتى الى طفولة تعيسة ومرحلة شباب أتعس ، كنت فيها أمير الغضب الشديد والحنق والحقد على الحياة وعلى حظي، وكان ما اختلج في صدري هو عدم الرضا بماقسمه الله لى !
فجأة أحسست أنى أختنق وكأنى مشنوق من رقبتى ،ويداى مكبلتان ، وأرجلى مقيدة ، وتختلط فى أذنى أصوات صراخ نساء وفرامل السيارات وزئير الكلاكسات ، أصوات اعتدت عليها ولكن هذه المرة لا أقدر على الهروب منها أو حتى اسكاتها أو حتى صم أذناى عنها !
نظرت الى جلدى ، فاذا به شاحب ، وتحشرجت الكلمات على فمى ، وجسدى متخشب ثابت لايتحرك،وكلى عارى ملفوفاً برداء أبيض ، ورغم رقدتى الصاخبة وثورتى العارمة فى محاولة للخروج منه ،لكن لا حياة لمن تنادى ، ستقولون ربما تلك ﻫﻤﻬﻤﺎﺕ ﻤﻴﺕ ، وأنا أقول لكم أنى حى لم أمت وروحى لم تبلغ الحلقوم بعد ، ولكن الناس لا تلتفت لصرخات مريض يحتضر ،وربما أنا ميت يحاول العودة للحياة

مدير قسم الأدب والشعر

علا السنجري

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock