شعر وحكاياتعام
عثرة قلب
بقلم رءوف جنيدي
عبر شرفة منزلها المطله على شقته . كانت تتهادى اليها نسمات عليلات يحملن عبق الحنين والشوق . مزدانة بخفقات قلبه التى على وقعها يتدفق الدم فى أوصالها . ذلك الشاب اليافع ابن الجيران الذى يملأ السمع والبصر . ولم لا تهفو إليه روحها وقد بات محط أنظار كل فتيات الحى ومسار اعجابهن حسبا ونسبا ؟ . وعلى قدر ما كان يدق قلبها لسيرته . كانت تتراقص مشاعرها كلما لمحته عيناها مارا داخل شقته . متخفية وراء ستائر غرفتها حتى لا يفتضح أمرها الذى لم يعد خافيا على جوارحها . فكثيرا ما اقمن على ذكراه قصصهن واحاديث ما بعد منتصف الليل . فقد قرت العين . وطربت الأذن . وخفق القلب . وتصبب الجبين عرقا فى سيمفونية رائعة من صدق الجوارح . بعد أن بات جارها هو ساكن القلب وضيف عزيز على الروح والوجدان …
كانت تداعب أنوثتها نسمات ربيعه كلما هبت من شرفتها . تروى ظمأ قلب متعطش . وتثمر وردات ربيعية النضارة على وجنتيها . فما نامت الا لتستيقظ على شرفتها لتزيح الستار عنها وعن مكنونات نفس الحبيب وحديث قلبه . هل يشعر بى ؟ هل يحبنى كما أحبه ؟ . وما استيقظت الا لتنام ليلها حاضنه ذكراه لتهمس فى أذنه فقد يجيب بعد أن ناجته كثيرا فى نهارها ولم يجب …..
داهمتها سيرته . خياله . عبقه . شهيقه . زفيره . طنينه العذب الذى يلفها . يعتصرها . جدائل من الغرام تتدلى من سقف غرفتها . نجمات متلألئات تضئ ظلمتها . سحر يعيد صياغتها . يعيد ترتيب اثاثاتها . فهو خلف شباكها . وراء ستائرها . تحت وسادتها . بين اوراق كتبها . يرافقها . حدثته ذات مرة . وقفت فى منتصف غرفتها . واضعة كلتا يديها على كتفيه . تناجيه . تناديه . تناشده الاحساس . ولكن سرعان ما انزلت يديها الى جانبيها حسرة وندما فهو ليس معها وانما فى شقته المجاورة لها …….
يحدثها قلبها وتصدقه القول : أنه قادم لا محالة . آت لا شك . وكيف لا يأتى وحرارة أنفاسها تكاد تلهب سكان الحى كله ؟ . كيف لا يأتى وضربات قلبها تكاد تطرق بابه ؟ . كيف لا يأتى وصوت انينها يسمعه الأصم . وحالها بات يراه الأعمى ؟ ….
وفى يوم سمعت فيه ضوضاء وجلبه . سارعت تنظر من شرفتها فإذا بعربة كبيرة جار تحميلها بأثاث ومنقولات علمت أنها لأسرة الجار الحبيب . بعد أن قررت الأسرة نقل محل الإقامة لأسباب لا تعلمها . انخلع قلبها وتمزقت أوصالها وانحسر عنها الأمل تاركة ايامها تقرر المصير . عادت لغرفتها تسبقها الدموع لتحكم غلق أبوابها . تسدل ستائرها علها تبقى على عبق نسماته وذكريات جميلة رحل صاحبها .
انخرطت فى حياتها الأسرية ليس طوعا منها . عادت الى حيث تمارس ما كان وقفا عندها . وجدت ضالتها ذات يوم فى الصبر والسلوان يوم ان دعتها إحدى صديقاتها لحضور حفل زفافها . رحبت . تهللت . حفل قد يخرجها من كبوتها النفسية . حيث صديقات العمر …. أعدت هديتها . اصطحبت باقة ورد للعروسين . وصلت للمكان . دخلت بهو قاعة الحفل . تقدمت فى اتجاه العروسين . وعلى بعد خطوات قليلة وقفت وكأن على رأسها الطير . تسمرت . تدقق النظر . فاذا بالعريس هو ابن الجيران الذى رحل . تفككت أوصالها . سقطت ذراعاها إلى جانبها . وتساقطت وردات التهانى . سقطت مغشيا عليها . وتبعثرت الوردات تحت الاقدام . نزفت المشاعر على أرض زفافه . سالت الاحاسيس لتدوسها الاقدام وكأنها تتمنى أن تهين مشاعرها التى أحبته . نقلت الى شقتها بعد فواقها . دخلت الى غرفتها مسرعة . تفتح الابواب والمنافذ على مصراعيها . تزيح الستائر عن آخرها طاردة ما كانت محتفظة به من ذكريات لم تعد الا آلاما وجراحا .
هدأت . استقر وجدانها . جلست على كرسيها . ولكنها استدارت هذه المرة . مولية ظهرها الى حيث كانت تأتى الذكريات . مقبلة بوجهها الى آية قرآنية معلقة ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون ) .صدق الله العظيم ……
هبطت سلم وجدانها . نزلت بساحة قلبها . تعيد ترتيب اثاثاته . تعيد تنسيق أركانه . أعادت فتح نوافذه من جديد لعل زائرا جديدا يأتى حاملا لها ……… باقات النسيان .