شعر وحكاياتعام
زيارة اليمامة
حنان عبد الحليم
طائر اليمامة ..اعرف منذ طفولتى ان زيارته لمكان هو( بشرة خير ) وان اصحاب المكان سينالهم رزق او اخبار سارة او ان اهل البيت طيبون ،يذكرون الله و سرائرهم نقية .
وبما انى على مدار سنوات عديدة لم اسمع اخبارا طيبة تزامنا مع زيارة اليمام ، او حتى بنائه اعشاشا فى شرفات بيتنا ، فاكتفيت بفكرة اننا اهل البيت او سكانه نتمتع بنقاء سريرة و قلوبنا بيضا.
لا اعلم على مدار عقود منذ طفولتى لماذا يزورنا هذا الطائر بالذات ، لدرجة انه ذات يوم دخل من شباك المطبخ واخذ يدور كرجل تائه فى الصحراء .ورغم فرحة امى و استبشارها لدخول الطائر الا انها احست بخوف الطائر الذى بدأ يتخبط فى الحائط ، كان المشهد بالفعل مثيرا للشفقة .
بدأت امى تطارد الطائر متعمدة ، و اخذت ترتكن الى الحائط ليهرب فى اتجاه الشباك ، ملوحة بذراعيها دافعة الهواء فى اتجاه الشباك مرة اخرى حتى خرج.
وحمدنا الله ، انا وامى ، رغم صغر سنى فى ذلك الوقت و رغبتى الملحة فى لمسه ، فهو بالفعل طائر جميل لكنه خلق ليحلق ، ولا ينبغى ان يدخل مكانا مجهولا مهددا حريته ، ولكن يبدو انه غبى .
ونسيت اليمامة لسنوات طويلة حتى ذكرتنى بنفسها ، ووجدتها تنقر زجاج شرفة غرفتى يوميا بعد شروق الشمس مباشرة ، بمنقار حاد اتصور انه اقوى من مخلب الاسد .
فى المرة الاولى اوحى لى قوة الصوت انها فأر ، و خاصة ان غرفتى لها سوابق عديدة مع الفئران . فالفأر يأبى ان يدخل غرفتى منفردا ، بل فى كل مرة يصطحب معه (المدام) ، لاجدالزوجان يمرحون فى الغرفة عابثين باشيائى غير مراعين درجة اشمئزازى و خوفى منهم ، وغير عايئين بمشاعر صاحبة الغرفة ، و ما اذا كانت ظروفها الاجتماعية و العاطفية تسمح بمشاهدة فيلم (فأران فى شهر العسل ) ام لا ؟؟
ولكن ماذا اقول ..انها اخلاق الجرذان
وفى كل مرة كانت قصة حبهما تنتهى نهاية مأساوية على اعتاب غرفتى بعد اصطيادهما. وبعد ان طالت معاناتى استدعيت شركة متخصصة للتعامل معهم ، قامت بوضع معجون اشبه بالصلصال فى الشرفة على الاسوار الخارجية لطردهم ، او قتلهم اذا قرر الزوجان تناوله مع شاى العصارى ، ولله الحمد منذ هذا الاجراء تم اعفائى من رحلة شهر العسل .
وبينما انا فى غاية الرعب من تكرار مشهد الفئران ، سمعت نفرا عنيفا على زجاج الشرفة و اتضح فى النهاية انها يمامة تنقر بقوة فى الزجاج الداكن الغليظ ، وكأنها تريد الدخول ،ولم افهم ماذا تريد و خفت ان تأكل من الصلصال الذى وضع فى الخارج للفيران ، و فكرت مع نفسى ان افتح لها النافذة و اسمح لها بالدخول ، على ان اغلق باب شرفتى من الداخل لانى عندما قررت ان اجعل الشرفة جزءا من الغرفة احتفظت بالباب و الحائط ، وبذلك احتفظت بطبيعتها كشرفة معزولة عن الغرفة .
وما ان اقتربت من زجاج الشباك حتى طارت اليمامة بعيدا ، و لكنى تفهمت وجهة نظرها ، فهى تحافظ على حريتها وتخشى الصيد بالفطرة ، وليس بيننا سابق معرفة لتثق بى.
و ابتعدت و اغلفت باب الشرفة من الداخل و وفقت ارقبها من خلف الباب ، وجدتها اختارت مكانا اخر امام زجاج الشرفة بعيدا عن الجزء الذى فتحته ، ولا تصدر اى حركة ، و طالت مراقبتى لرد فعل اليمامة حتى مللت و قررت النوم .
و فى اليوم التالى و فى نفس الموعد مع شروق الشمس ،سمعت نقرا عنيفا فى الزجاج بمنقار اليمامة ، و لم اتحرك فيجب الا اكون غبية مثلها ، و كنت قد تركت هذة المرة جزءا من الزجاج مفتوحا ،و عليها ان تدخل ان ارادت .،و لكنى فوجئت انها مصرة على النقر فى الجزء المغلق فى عناد شديد .
ومازال النقر مستمرا لم تتوقف اليمامة عنه يوما واحدا
ولم تلبى دعوتى لدخول الشرفة لتمرح كما تشاء و تتناول القمح ثم تواصل الطيران .
ومازلت اتسائل ما اذا كان هذا الطائر ذكرا ام انثى ؟؟
ولماذا يأتى يوميا منفردا بلا وليف ، و يأتى دائما الفأر مصطحبا (المدام) ليعبث بأشيائى و يثير اشمئزازى؟؟
ولماذا لا يدخل الطائر رغم ترحيبى به لياكل و يمرح ، مفضلا النقر الذى لا طائل من وراءه من وجهة نظرى .
و مرة جديدة تمنيت ان اكون سيدنا سليمان الذى علمه الله منطق الطير لاعلم هل هو خوف من ان تفقد حريتها ؟؟؟ و ان كان كذلك فلماذا تصر على زيارة شرفتى بالذات على مدار ايام عديدة ولا تحلق فوق الاشجار و الازهار و تقلق نومى ؟؟؟
و لو اعلم منطق الطير ، لفهمت من فينا الغبى
انا أم اليمامة .