شعر وحكاياتعام
أرزاق
أرزاق
بقلم د/عبد الرحمن نجاح
1نجحت هبة في الصف السادس الابتدائي بتفوق، وأنساها تفوقها واقعها المرير وبث في نفسها شيء من الغرور، فتمنت على أبويها ان تحتفل بعيد ميلادها، مرة من نفسها، يوم الأحد القادم، صديقاتها في المدرسة يفعلن وبعض صاحباتها في الحارة،، وعدها أبوها
من عيني يا هبة، ها اشتري لك تورتة وجاتووه
وتبرمت أمها، فقد اعتادت أن تصنع لهبة يوم عيد ميلادها اطباق المهلبية والمكرونة باللبن وتدعو جاراتها في الحارة للاحتفال معها،، فعاتبت ابنتها
ليه كده يا هبة،، منين يجيب ابوك فلوس لكل ده
تمردت هبة وأصرت على طلبها
نامت هبة وامها وتقلب أبوها في فراشه الخشن، لم يغمض له جفن، ومع آذان للفجر من يوم الأحد نهض متثاقلاً مشغول البال شرب جرعة من الماء ووضع قدميه في حذاء مهترئ وهو يغمغم،،
منين بس يا سيد ها تجيب فلوس تشتري لهبة طلباتها؟،، آه لو الريس محمد كان وداني الشهر ده اكنس في شارع البحر،، الناس هناك ايديها فرطة وزملائي اللي هناك مبسوطين.
اخرج السيد دراجته القديمة المتهالكة عهدة الشغل ونسي أن يركبها فسار يدفعها بجواره في شوارع الحارة غرب المدينة.
2
كان مساء السبت مساءً مشهوداً في فيلا الحاج ابراهيم، المقاول الشهير بالمدينة، فهو يوم عيد ميلاد قرة عينيه، صغيرته هبة، الأولي على المحافظة في الشهادة الابتدائية،، كان الحفل حديث أهل الحي الراقي شرق المدينة،، وكان ابوها قد أحضر تورتة فاخرة مزينة باسمها من أرقي محل حلويات بالمدينة ومثله فعلت امها وأشقائها الثلاثة،، فقد تسابق الجميع في اسعاد هبة التي لا يبدو شيئاً يسعدها، فقبل ان ترغب في شيء تجده بين يديها،، حتي أنها لم تجرب ان تتمني أمنية،، بات أهل الحاج ابراهيم قريرو الأعين ولم تذق عيناه النوم،، فغداً ستعقد جلسة مزاد كبير على قطع أراضي يري فيها أرباح هائلة لشركته ان رسي عليه المزاد،، استيقظ الحاج ابراهيم يعاني الصداع والتوتر،،
يا تري اصرف من البنك مليون ولا أتنين؟،، المنافسين كثير ولازم ادفع عرقهم عشان يتركوا لي المزاد.
وهو في طريقه الي السيارة لحقت به زوجته،،
الثلاجات في الفيلا ليس فيها مكان،، خد معك تورتة وكام علبة جاتوه للموظفين عندك في الشركة
يا ستي وزعيهم على الجيران وانا ها ابقي اشتري لهم
وزعت كثير جداً ،، وما فيش مكان، وحرام كل ده يفسد ويترمي
رضخ الحاج ابراهيم للأمر وقاد سيارته في طريقه الي البنك في شارع البحر.
3
فوجئ السيد بالريس محمد ينتظره في مكانه المعتاد للعمل ويقول له بعصبية،،
اسمع يا سيد،، انت النهار ده ها تشتغل في شارع البحر امام البنك لان زميلك على عامل المنطقة مريض
لم ينطق السيد وأمسك بدراجته وتوجه الي شارع البحر أمام البنك وانهمك في العمل وذهنه مشغول بأمنية ابنته هبة،،
وها يجري ايه يعني لو جعت انا وام هبة اسبوع ونلبي للبنت طلبها وبناقص علاجي الشهر ده،، خلاص انا ها اشتري لها تورتة
وتوجه السيد بقامته القصيرة وظهره المنحني انحناءة الشقاء الي محل حلويات قريب وفى خجل وتردد سأل عن سعر التورتة، ضحك البائع واخبره ان اقل تورتة بالمحل ثمنها مائة جنيه،، اسقط في يد السيد وثقلت قدماه وغامت عيناه بالدموع وهو يجر ساقيه الي مكانه أمام البنك وأمسك بالمقشة والمقطف وانهمك في العمل الذي انتهي وقته لينسي فلم ينسي وكَبر همه.
4
شارع البحر مزدحم بشكل غير معتاد،، الحاج ابراهيم يقود سيارته المرسيدس الجديدة ولا يجد مكان ليركن به السيارة،، قطع الشارع عدة مرات جيئة وذهابا وحين داهمه الوقت اوقف السيارة صف ثاني واسرع الي البنك لا يلوي على شيء.
5
خرج الحاج ابراهيم يحمل المال في حقيبة كبيرة ففوجئ بأن ونش المرور كلبش السيارة،، غضب بشدة وهاتف بعض معارفه من الضباط، فأخبروه انه لابد له أن ينتظر لمدة ساعة كاملة على الأقل، فقد خرج المحافظ في زيارة مفاجئة للمستشفى العام فاضطر الونش الي ان يرافقه في جولته،، توترت اعصاب الحاج ابراهيم وكلما مرت الدقائق ازداد غضبه،، لم يعد بيده حيلة غير ان يستقل سيارة تاكسي ليلحق بالمزاد،، وبينما يطمئن علي أبواب السيارة لمح علب التورتة والجاتووه،، وبدون تفكير منه اشار لعامل النظافة، عم السيد، فهرول الرجل اليه، ودون أن يلتفت اليه الحاج ابراهيم قال.
خد علب الحلويات دي لعيالك بس لا تتركها في الحر وقت كثير
حاول السيد ان ينطق بكلمات الشكر فخرجت منه غمغمة وهمهمة واستدار حاملا الحلويات لا تلمس قدماه الأرض وانخلع نعليه فلم يهتم، اقترب من العجلة وفكر انها لن تسعفه ولا تتحمل حجم فرحته فأوقف تاكسياً ليحمله وفرحته الي ابنته،، وفي الحال حضر ونش المرور وتم التصالح فورا مع الحاج ابراهيم الذي قاد سيارته متجهاً الي المزاد مشغول البال،، و في وسط المدينة لمح السيد سيارة الحاج ابراهيم قادمة في الجانب الآخر من الطريق فراح يلوح بيديه ويلهج بكلمات الشكر للحاج ابراهيم الذي لم يره.
تمت