كتبت / ريما السعد
قد إشتهرت بجمالها وولعها بالصيد والقنص، قيل عنها: أنها كانت ذات رأي وحكمة وعقل وسياسة ودقة نظر وفروسية وشدة بأس وجمال فائق .
كانت الهيبة والجمال والعظمة تلوح على وجهها ، قوية اللحظ ذكية ،وكانت أسنانها بيضاء كاللؤلؤ وصوتها قوياً وجهوراً، وجسمها صحيحاً سالماً، وكانت الابتسامات لا تفارقها، فعاشت بعظمة ملوكية كملوك الأكاسرة والرومان كأكبر ملوك الشرق ولقبت بملكة ملكات الشرق ، فكانت تضع العمامة على رأسها وتلبس ثوباً أرجوانياً مرصعاً بالجواهر والحلي وكثيراً ماكانت تترك ذراعها مكشوفة ( يتبين في التماثيل والمنحوتات التدمرية ) .
وكان لها اطلاع على تاريخ الشرق والغرب ، وكانت تقرأ لهيمروس وافلاطون ، وألِفَت تاريخاً عن الشرق وسوريا وما جاورها وآسيا.
عندما قتل “أذينة” بطريقة غامضة، تولت “المُلك” باسم ابنها “وهب اللات”، وتولت عرش المملكة وازدهرت “تدمر” في عهدها، فقد أنشأت جيشاً قوياً واستولت على العديد من البلدان، وأصبحت “تدمر” محط رحال التجار والقوافل وزاد ثراء المدينة ونافست “روما” في العظمة والفخامة، ولما ساءت العلاقات بين “زنوبيا” والإمبراطور الروماني أرسل لها جيشه للاستيلاء على “تدمر” فهزمته شرّ هزيمة، بعدها توجهت إلى “مصر” التي كانت تحت سيطرة الرومان واحتلتها ومنعت جيوشها عن “روما” وعززت علاقاتها مع “الحبشة” و”جزيرة العرب، وتوسعت مملكتها حتى شملت باقي “سورية” (من شواطئ البوسفور حتى النيل)، وأطلقت عليها الإمبراطورية الشرقية “مملكة تدمر”، لكن الإمبراطور الروماني “أورليانوس” حاول التفاوض مع “زنوبيا” لوقف جيوشها، فصكت النقود في “أنطاكية” و”الإسكندرية” عليها صورة “وهب اللات” على وجه وعلى الوجه الثاني صورة الإمبراطور “أورليانوس”، ونادت بالاستقلال الكامل عن “روما”، لكن الإمبراطور صمم على التنكيل بها وسحق الدولة التدمرية، فأرسل جيشاً رومانياً إلى “مصر” وجيشاً آخر بقيادة “أورليانوس” نفسه إلى “سورية” و”آسيا الصغرى” ليلتقي الجيشان في تدمر”، احتل القائد “بربوس” مصر وبلغ “أورليانوس”
أنطاكية، فهزم “زنوبيا” هناك في معركة دامية ما جعلها تنسحب لتدمر، فتعقبها “أورليانوس” حتى بلغا مدينة “حمص” ودارت بينهما معارك شرسة وانهزم جيشها واحتل “أورليانوس” تدمر، وحاصر أسوارها المنيعة حصاراً محكماً حتى نفدت مؤن الطعام بها، وقاومت الغزاة بشجاعة معلنة القتال حتى الموت. عرض “أورليانوس” عليها التسليم وخروجها سالمة من المدينة، لكنها رفضت وحاولت “زنوبيا” الهروب ووصلت إلى نهر الفرات، إلا أنها وقعت في الأسر واقتيدت إلى “أورليانوس”، ولم يقتلها بل قتل بعض كبار القادة ومستشاريها بعد محاكمة أجريت لهم في مدينة “حمص” ثم اقتادها معه إلى “روما” سنة 282م.
انتهت حياة “زنوبيا” في منزل بسيط في “تيبور” أعده لها “أورليانوس” وتقول إحدى الروايات إنها امتنعت عن الأكل، وخارت قواها وماتت، بينما تقول رواية أخرى بأنها قد طلبت من أحد حراسها بأن يأتي لها بالسم، فشربته وماتت به.
وهكذا أسدل الستار على ملكة عظيمة، فذة من أبطال العصور القدماء، وكأنها واحدة من الأساطير وما أكثر الأساطير القديمة التي توارثها البشر في ذلك الزمان ويبقى المكان شاهداً على ذلك العصر.