شعر وحكاياتعام
نكهة الحب
بقلم مروة فتحي
استيقظت اليوم كعادتى فى السابعة صباحا لاستعد للذهاب الى محاضرتى الأولى الساعة التاسعة ووجدت امى كعادتها منذ ثلاثة أيام تبكى بل كعادتها كلما غاب والدى…فكلما اجبرته ظروف عملة على السفر ليوم او عدت أيام تظل تبكى قبل رحيلة واثناءه وعند عودته لاشئ يوقف دمعاتها سوى بسمة والدى وتربيطة يده على كتفها…اعلم انه لا كلمات ستجعل دموعها تقف الان…
دائما تحكى لنا انا واختى حكايتهما وهى فخورة فرحة ونحن نستمع اليها والى تفاصيلها دون ملل مهما تكررت …
تزوجت والدتى من والدى وهى فى العشرين من عمرها ووالدى يكبرها بعشرة اعوام…كانت فى عامها الجامعى الثانى وتقدم اليها والدى ووافقت الاسرة علية رغم معارضتها للزواج قبل ان تنهى دراستها ولكنها استسلمت فى الاخير وتزوجته كان فى نظرها كأى رجل لاتميز حتى ملامحه وبعد شهر من الزواج اعتادت عليه بل احبته فكان طيب حنون قضيت شهر عسلها فى الاسكندرية وعادت لتبقى حياتها الى جواره احلى من اصفى انواع العسل …
فكانت صغيرة ولا تجيد العمل المنزلى ولم يكن يقسوا عليها يوما فكان يساعدها ويعلمها كل شئ فقد قضى فترة كبيرة مغترب يحيا بمفردة تعلم خلالها كل شئ وما كانت تقصر به كان هو يؤدية دون اهانه لها واعتاد ان يحتفل معها بالمناسبات حتى التى تنساها وان حدق اى خلاف بينهاوبين اسرته كان يتولى الامر بحكمة فلا يغضب والدية ولا يجور عليها وعندما كانت حامل فى اختى الكبيرة كانت فى عامها الجامعى الاخير وكانت لاتحتاج لاحد فوالدى كان يساعدها فى تنظيف المنزل والطهى وكل شئ دون حتى ان يتملل واحبته والدتى بجنون من هذة الفترة كانت تشعر وهى معه انها فى حصن كبير يحميها من كل شر …كانت تخفق فى اعداد الطعام ويصبح بشعا وياكله ويشكرها علية وكانت تحرق ملابسه وهى تكويها ويبتسم ويضمها لصدره ويطمئنها ويطمئن على يديها واسباب نسيانها للمكواه ويتاكد انها بخير ولا يكترث لما ضاع…وان كسرت شئ فى المطبخ يركض نحوها ليطمئن على يديها وقدميها ويتاكد انها بخير ويعمل على تنظيف المكسور خوفا عليها من ان تجرح…لم يخونها يوما او يقصر بحقها… حين يختلفان يخرج ويعود بعد ساعة ويطيب خاطرها ثم اخبرته انها تخاف حين يترك المنزل غاضبا فاصبح حين يغضب يجلس بمفرده فى حجرة حتى يهدأ فلا يسب او يضرب او يفعل ما ان انتهى الخلاف يظل اثره فى القلوب لايمحى…
واما عنى انا واخوتى فنرى والدى رجل لا مثيل له يعود للمنزل ليغير ملابسه ويدخل راكضا للمطبخ مع امى ليعد السلاطة ويتحدث معها عن كل شئ فى عمله وبعد الغذاء يجلسان معا واشعر ان امى تعود كطقلة تحكى لوالدتها عن يومها وهى تقص عليه كل شئ حتى معلقة التقليب التى سقطت وهى تطهو وهو يبتسم لها ويبدى اهتمامه بكل التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة…ان امى بالفعل طفله امام والدى حتى انه يحضر لها حتى الان حلوى كما يفعل مع اختى او معى …
ليتنى استطيع ان اخفف عنها غياب ابى…
ولمعت فى راسى فكرة فقد اعتاد والدى ان يقدم لوالدتى كل صباح فنجان من القهوة هو من يعده فقط لها فهو لايحب القهوة وحين تضجر يعد لها ايضا فنجان من القهوة لم ارها يوما تصنع لنفسها فنجان من القهوة او لنا حتى عندما ادمنت انا القهوة فى الثانوية كنت انا من يعده اما فنجانها فوالدى هو وحده من يقدمه لها وتكون فى اقصى درجات سعادتها به وتشربه الى اخر نقطة…
فدخلت للمطبخ سريعا وصنعت لها فنجان من القهوة واحسبنى محترف لصنعها فانا من عشاقهاوقدمته لها وانا اربط على كتفها “والدى سيعود اليوم باذن الله لا تقلقى يا امى”
“ياولدى انا اشتاق الية واشعر بالضياع بغير وجودة حين يذهب للعمل فكيف وهو مسافر ؟ رده الله سالما …وما هذا؟”
“قهوة اجمل مما يعدها والدى صنعتها خصيصا لك”
فابتسمت وشكرتنى وصدمتنى قائلة”لكنى لا اشرب القهوة ولا احب مزاقها منذ طفولتى”
“الا تشربين كل يوم فنجان منها وكلما تضايقتى يصنع لك والدى واحدا”
“فى عام زواجى السادس تقريبا توفى والدى وكنت فى اشد اوقات حزنى وكان والدك يصنع كل شئ يسعدنى ففى مرة وانا معه سالته ان كان شرب قهوة من قبل واخبرنى انه لايحبها ولم يشربها ولا يعرف كيف تصنع وكنت مثله واخبرته انى اتشوق لاتذوقها واعرف لماذا كان يحبها والدى رحمه الله فقد حاول معى كثيرا لاشربها وكنت امقت رائحتها والان اشتاق لها لانها ستذكرنى بوالدى … واستيقظت فى اليوم التالى لاجد والدك يضع امامى فنجان من القهوة فقد اشتراها وسال كيف تصنع ووقف ليحاول ويحاول حتى قدم لى هذا الفنجان … وتذوقته واحببته كانت احلى من الشيكولاته فى فمى وتبسمت للمرة الاولى من وفاة ابى وفرحت كثيرا باهتمامه بى وتعبه لاجلى واصبح يقدمه لى كل صباح وعندما اضجر وحاولت كثيرا ان اصنعها واتذوقها من اغلى الاماكن ولكنها كانت لاتطاق لا احب رائحتها ولا طعمها ولكن فنجان والدك يفرق فى كل شئ “
وقبلتنى والدتى وشكرتنى وهى تدعو ان يعيد الله والدى اليها ويجعله سالما…
وحين عاد والدى للمنزل ليلا قررت ان اساله عن سر قهوته فتبسم واجاب…
“ياولدى تزوجت والدتك وبسمتها لا تفارق وجهها حملتها من منزل ابيها الذى كانت تحيا به كملكة لتدخل بيتى وتتحمل مسئوليتى وتنظف ملابسى وتعد طعامى وتحمل بابنائى وتحفظ غيبتى واستمتع بها ومعها فعاهدت نفسى ان اتقى الله بها من يومنا الاول واعاملها كما احب ان تعامل ابنتى وكما كانت تعامل فى منزل والدها واتصدق امام الله بحسن عشرتى لها وكلما اتقيت الله زاد الحب فى قلبينا معا ورايتها اجمل من كل النساء فالمراة كالزهرة ان اسقيتها اهتمام وحنان تعطيك رائحة وجمال وبهجة وان اغرقتها فى حزن ومشكلات واهمال زبلت ومات اجمل مابها وشاخت قبل الاوان ولن تسعد معها يوما …واما القهوة فانا لا اضع بها خلطة سرية ولا اجيد صنعها حتى واعلم ان والدتك لاتحب القهوة ولكن فنجانى يسعدها فاصنعه لها كل يوم لأعينها على مصاعب يومها ولا اضيف شئ اكثر من الماء والقهوة والسكر وقليل من الحب والاهتمام فنكهة الحب ياولدى تغير كل شئ للاجمل”