كتب/خطاب معوض خطاب
شيخ الشعراء و فارس و حارس اللغة العربية
فاروق شوشة لم يكن شاعرا عاديا ، بل كان شاعرا مفوها عذب الصوت يأخذ بألبابنا و يطير بنا في فضاء لا نهاية له إذا سمعناه يقرأ أشعاره ، كنا نتابع برنامجه الإذاعي “في طريق النور” كما كنا نتابع برنامجه :”لغتنا الجميلة” الذي بدأه سنة 1957م في الإذاعة المصرية و عني فيه بمناقشة قضايا اللغة العربية ، فيسحرنا بجميل قوله و نطقه المميز و مخارج حروف كلماته التي ينطقها و لم يكن ينافسه في مجاله هذا أحد ، و في التليفزيون كنا نتابع برنامجه “أمسية شعرية” الذي بدأ تقديمه بداية من سنة 1977م ، و من خلاله كنا نستمع و نشاهد العديد من الشعراء الموهوبين الذين قدمهم في بداياتهم مثل عبدالرحمن الأبنودي و أمل دنقل و غيرهما ، كما كان يقدم بابا في مجلة العربي الكويتية الثقافية يحدثنا من خلاله عن جمال اللغة العربية ، هذا غير مقالاته بالعديد من الصحف و المجلات المصرية و العربية .
الشاعر فاروق شوشة لم يكن شاعرا فقط ، بل كان واحدا من حماة اللغة العربية و فرسانها الأصلاء ، كنت أستمع إليه مبهورا به و أحلم متمنيا أن أنطق العربية بمثل فصاحته و إبداعه يوما ، ولد فاروق محمد شوشة بقرية الشعراء بمحافظة دمياط في 17 فبراير سنة 1936م ، و حفظ القرآن الكريم كاملا في صغره ، و كان هذا أحد أهم أسباب فصاحته و اهتمامه باللغة و الشعر ، وتخرج في كلية دار العلوم سنة 1956م ، و في كلية التربية بجامعة عين شمس سنة 1957م ، و عمل بالتدريس بعد تخرجه سنة 1957م ، ثم التحق بالإذاعة المصرية سنة 1958م و ظل يترقى بها حتى أصبح رئيسا للإذاعة المصرية سنة 1994م ، كما عمل أستاذا للأدب العربي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة .
أصدر الشاعر الكبير عددا كبيرا من الدواوين و الكتب مثل :”أحبك حتى البكاء” و “الرحيل إلى منبع النهر” و “أحلى عشرين قصيدة في الحب الإلهي” و “الدائرة المحكمة” و “لغتنا الجميلة” ، و كان فاروق شوشة عضوا بمجمع اللغة العربية في مصر ، و رئيسا للجنة النصوص بالإذاعة المصرية و التليفزيون المصري ، و عضوا بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ، و رئيسا للجنة المؤلفين و الملحنين ، كما شارك في العديد من مهرجانات الشعر العربية و الدولية ، و تم تكريمه كثيرا ، فهو حاصل على جائزة الدولة في الشعر سنة 1986م ، و جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1997م ، كما تم منحه جائزة النيل و هي أعلى وسام يتم منحه للأدباء في مصر سنة 2016م .
فاروق شوشة كان له وقفة مشهودة في الدفاع عن اللغة العربية ، و كانت له وقفاته المشهودة مع الإعلاميين الذين يسيئون للغة العربية ، كما انه دخل في معركة كبيرة مع المثقفين الذين تخلوا عن دورهم و أصبحوا يطرقون أبواب السلطة لنيل ما يريدون و له قصيدة مشهورة حملت نقده لهم حيث قال :
خدم .. خدم
و إن تبهنسوا
و صعروا الخدود
كلما مشوا
و غلظوا الصوت
فزلزلوا الأرض
و طرقعوا القدم
خدم .. خدم
و إن تباهوا أنهم
أهل الكتاب و القلم
و أنهم في حلكة الليل البهيم
صانوا النور
و كاشفوا الظلم
و أنهم بدونهم
لا تصلح الدنيا
و لا تفاخر الأمم
و لا يعاد خلق الكون كله
من العدم
لكنهم خدم
بإصبع واحدة
يستنفرون مثل قطعان الغنم
و يهطعون علهم يلقون
من بعض الهبات و النعم
لهم إذا تحركوا
في كل موقع صنم
يكبرون أو يهللون حوله،
يسبحون باسمه و يقسمون
يسجدون يركعون
يمعنون في رياء زائف
و في ولاء متهم
و في قلوبهم
أمراض هذا العصر
من هشاشة
و من وضاعة
و من صغار في التدني
و اختلاط في القيم
خدم .. خدم …
و رحل فارس العربية و شيخ شعراء عصره فاروق شوشة في فجر يوم الجمعة 14 أكتوبر سنة 2016م ، عن عمر تعدى 80 عاما ، و كانت وصيته أن يتم دفنه فى مسقط رأسه قرية الشعراء بدمياط ، عليه رحمة الله تعالى .
المصادر :
جريدة المصري اليوم 14 أكتوبر 2017م .
موقع بوابة الأهرام 12 نوفمبر 2016م .
جريدة الوفد 15 أكتوبر 2016م .
مجلة الهلال يونيو 2011م .
صفحة الشاعر فاروق شوشة