عاممقالات

الإمام الأكبر الشيخ محمد المهدي العباسي



كتب/خطاب معوض خطاب
أصغر من تولى الإفتاء و مشيخة الأزهر و أول من جمع بينهما

يعد الإمام الأكبر الشيخ محمد بن محمد أمين بن محمد المهدي العباسي الحنفي المولود في سنة 1827م أصغر من تولى منصب مفتي الديار المصرية في التاريخ ، حيث تولى المنصب في سن 21 عاما و تولى مشيخة الأزهر الشريف و هو في سن 43 عاما ، و هو أول من جمع بين المنصبين في التاريخ ، كما أنه أول شيخ من الأحناف يتولى مشيخة الأزهر الشريف ، حيث جرت العادة قبل ذلك على أن يكون شيخ الجامع الأزهر من الشافعية .

والده الشيخ “محمد أمين” كان مفتيا للديار المصرية ، و جده الشيخ “محمد المهدي” كان مسيحيا و أسلم في صباه و تولاه بالرعاية و التعليم الشيخ الإمام “محمد الحنفي” ، حيث ضمه لأسرته و تعهده حتى حفظ القرآن و سلك طريق العلم و تتلمذ على كبار علماء عصره حتى أصبح عالما كبيرا يسار له بالبنان ، لدرجة أنه تم ترشيحه يوما ليكون شيخا للأزهر الشريف لكن عهد بها الوالي محمد علي للشيخ الشنواني .

كان الشيخ محمد المهدي العباسي لا يزال طالبا للعلم حين عهد له الوالي إبراهيم باشا بن محمد علي بالإفتاء تلبية لوصية “عارف بك” الصدر الأعظم للسلطان التركي الذي كان صديقا للشيخ محمد المهدي الكبير جد الشيخ محمد المهدي الصغير ، و لأنه ما زال صغيرا و لا يزال يدرس العلم و لأن الأزهر وقتها كانت له هيبته فقد عقد شيخ الجامع الأزهر و كبار العلماء مجلسا اتفقوا فيه على تعيين “أمين للفتوى” يكون مسئولا عن دار الإفتالطء حتى يكمل المفتي الجديد تعليمه الأزهري و يكون أهلا للمنصب الذي تولاه ، و هو ما حدث بالفعل بعدها بعدة سنوات ، و اشتهر الشيخ محمد المهدي العباسي مفتي الديار المصرية و شيخ الجامع الأزهر بالعفة و الأمانة و الدقة و الحزم و عدم موافقة الحكام فيما يخالف شرع الله ، و كان لا يخشى في الله لومة لائم مهما كان ، و كان شديد المحافظة على كرامته و كرامة منصبه الكبير .

برغم العلاقة الوثيقة التي تربط بين أسرة الشيخ و الأسرة العلوية الحاكمة إلا أنه حدثت له معهم الكثير من المواقف التي وقف فيها وقفات مشهودة عززت مكانته و جعلت له هيبة و مكانة عند ولاة الأمور و جعلت محبته تترسخ في قلوب المصريبن ، منها موقفه مع الوالي عباس حلمي الأول ، حينما أراد الحصول على فتوى تبيح له مصادرة أموال أسرة محمد على لحساب الدولة و بالتالي يستولى عليها إلا أن الشيخ رفض بشدة أن يبيح له ذلك و لم يأبه له ، و حينما أراد الخديو إسماعيل ان يضم الأوقاف الأهلية إلى الأوقاف العمومية و حاول الحصول على فتوى تبيح له ذلك إلا أن الشيخ رفض و بشدة أن يصدر فتوى تبيح ما حرمه الله .

و في عهد الخديو توفيق سئل عن مشروعية إقامة التماثيل مثل تمثال إبراهيم باشا و أسود قصر النيل فأفتى بأنها مكروهة كراهة تحريمية ثم ألحق تعقيبا بالفتوى و قال :”إن إزالة كل منكر في البلاد و تجنب الحكم بغير ما أنزل الله لهو أمر أكد” أي أكثر تأكيدا ، و حينما قامت الثورة العرابية طلب منه العرابيون أن يصدر فتوى تبيح لهم الخروج على الخديو توفيق فرفض رفضا باتا و قال لا يجوز الخروج على الحاكم ، و العجيب ان الخديو توفيق عزله من مشيخة الأزهر في نوفمبر سنة 1881م استجابة للعرابيين بعد أن قوي أمرهم و إن أبقاه في منصب الإفتاء ، ثم أعاده لمنصبه كشيخ للأزهر الشريف مرة أخرى في أكتوبر 1882م بعد فشل الثورة العرابية ، لكن سرعان ما عاتبه الخديو توفيق لأنه يجتمع في بيته بالوطنيين الذين يبحثون كيف يخرجون الإنجليز من مصر ، فما كان من الشيخ إلا أن طلب من الخديو ان يعفيه من منصبيه في الإفتاء و مشيخة الأزهر و هو ما حدث سنة 1886م .

و هكذا ضحى الشيخ محمد المهدي العباسي بمنصبيه كشيخ للأزهر الشريف و مفت للديار المصربة ليحافظ على كرامته ، و بعدها بعدة سنوات أصيب بالفالج “الشلل” حيث ظل مريضا 4 سنوات و مات في يوم 8 ديسمبر 1897م ، و من المعروف أنه ترك عددا كبيرا من الكتب و البحوث أشهرها كتاب “الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية” في 7 أجزاء ، و قد أطلقت محافظة الأسكندرية اسمه على أحد الشوارع الرئيسية في منطقة محرم بك .

المصادر :
كتاب الأزهر الشيخ و المشيخة “حلمي النمنم” .
جريدة المصري اليوم 8 ديسمبر 2017م .
جريدة النهار الكويتية العدد 2792 .
موقع دار الإفتاء المصرية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock