كتب/خطاب معوض خطاب
يعيش الأسطى “سعد باشا” العربجي
من الأحداث العجيبة و الغريبة التي حدثت في تاريخ القاهرة ما وقع منذ حوالي 93عاما و تحديدا يوم الخميس 7 فبراير 1924م ، حيث تم في هذا اليوم إضراب الحوذية “العربجية” عن العمل فى شوارع القاهرة كلها ، و ذلك بسبب إنتشار سيارات الأجرة في شوارع القاهرة ، حيث كانت وسائل المواصلات المتعارف عليها في ذلك الوقت لا تكاد تخرج عن “عربات الكارو و الحنطور و عربات السوارس” .
و كانت سيارات الأجرة قد بدأت عملها في شوارع القاهرة بعدد “8” سيارات ماركة “دي ديون بوتون” الفرنسية لصاحبها “جوزيف دي مارتينو” ، و كان أول موقف لها في ميدان الأوبرا القديم ، و جراجها مكان سينما ريفولي ، و في سنة 1919م بلغ عدد سيارات الأجرة في القاهرة “30” سيارة ، و كان يقتصر ركوبها على الأغنياء و الوجهاء فقط .
ذهب العربجية في مظاهرة كبيرة مشهودة لبيت رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت “سعد باشا زغلول” ، و كانوا يسيرون في شوارع القاهرة و هم يحملون كرابيجهم في أيديهم و يلوحون بها في الهواء و يطرقعونها بضرب الأسفلت أثناء سيرهم في المظاهرة ، مما أثار إنتباه المارة الذين اتبعوهم ليعرفوا أين يذهبون و ماذا يفعلون ، حتى الذين في منازلهم خرجوا إلى الشرفات ليستطلعوا الخبر .
حكاية إضراب الحوذية أو العربجية ذكرها الكاتب الصحفي “مصطفى أمين” في كتابه “من واحد لعشرة” ، حيث كتب أنهم حين وصلوا بيت سعد زغلول رئيس الوزراء و المعروف ببيت الأمة أصروا على خروج سعد باشا إليهم ، و فعلا ترك إفطاره و خرج إليهم و تكلم معهم و سمع شكواهم و ذكر أن من كلام سعد باشا زغلول لهم : “إنني عربجي مثلكم ، مهمتي أن أقود العربة التي تقودونها ، حكومة الشعب هي العربة الحنطور ، و مصر هي الزبون الوحيد الذي يركب العربة ، و واجبي أن أوصل الزبون إلى الجهة التي يريد الذهاب إليها و هى الإستقلال التام لمصر و السودان ، الفرق الوحيد بيني و بينكم أنكم تحملون الكرباج و أنا لا أحمل الكرباج” ، و حين نطق هذه الكلمة ضحك العربجية جميعا و أحسوا بسعادة كبيرة أن سعد باشا يؤكد لهم أنه “عربجي” مثلهم .
يومها ختم سعد باشا كلامه قائلا لهم :”مستقبلكم هو مستقبلي ، و سوف أفعل ما تريدون ، إذا كنتم تريدون أن تتقدم مصر بسرعة العربة الحنطور فسأخضع لرأيكم ، و إذا أردتم أن نتقدم بسرعة السيارة و بسرعة الطيارة فسوف أفعل ما تأمرون ؟” ، فصاحوا جميعا :”بسرعة الطيارة” ، قال : “اتفقنا” ، فقالوا : “يعيش سعد باشا” ، قال :”لا ، بل قولوا يعيش الأسطى سعد” ، فقالوا جميعا و هم ينصرفون : “يعيش الأسطى سعد” .
هذه كانت حكاية إضراب العربجية بسبب سيارات الأجرة “التاكسي” ، و لأن الأيام دول و الدنيا لا ترسو على حال ، تمر الأيام وراء الأيام و السنوات وراء السنوات ، يأتي يوم يعترض فيه سائقوا التاكسي القديم على مشروع “التاكسي الأبيض” ، كما يأتي بعده يوم و تنتشر في شوارع القاهرة سيارات تابعة لشركات خاصة يركبها الناس بدلا من التاكسى ، الذى قام سائقوه بتنظيم مظاهرات و وقفات إحتجاجية إعتراضا على قيام سيارات الشركات الخاصة بهذا العمل ، و لا يعلم أحد ماذا يخبئ لنا الغد .
المصادر :
كتاب من واحد لعشرة “مصطفى أمين” .
جريدة الأهرام 27 فبراير 2016م .
صفحة تراث مصري .