كتب/خطاب معوض خطاب
الفنان أبو بكر عزت صاحب الأداء السهل الممتنع، وصاحب خفة الدم المصرية الخالصة و”جدعنة” أولاد البلد بشهادة المقربين منه، كان فنانا حقيقيا ومثقفا وعبقريا في أدائه وزاهدا في الشهرة، رغم موهبته الكبيرة وتنوع أدواره بين الكوميديا والتراجيديا في المسرح أو السينما والتليفزيون، ورغم أعماله الكثيرة التي برز من خلالها، وهو من الفنانين القليلين الذين لم يحصروا أنفسهم في قالب واحد، بل كان يطور من أدائه وينوع أدواره كلما تقدم به العمر، فبعدما كان معروفا كفنان كوميدي في المسرح والسينما في بداياته أصبح يقدم الدراما بمختلف أشكالها بتمكن واقتدار.
فمن يراه في دور “الأسطى عمارة” الصنايعي في مسلسل “أرابيسك” ، ودور المحامي “د. عبد النور” في فيلم “ضد الحكومة” الذي قدم فيه مشهدا من أروع المشاهد في تاريخ السينما المصرية مع الفنان “أحمد زكي” وحوارهما الشهير في المسجد، حيث ظهرا معا في أفضل حالاتهما متقمصين دوريهما، وكأنهما لا يمثلان بل في صراع حقيقي، ولم يكن هذا هو الفيلم الوحيد الذي جمع بينهما، حيث التقيا قبله في أفلام كثيرة منها:”الإحتياط واجب”، و”الإمبراطور”، و”الهروب”.
ولد الفنان “أبو بكر عزت” تعود جذوره لمركز “المراغة” بمحافظة سوهاج وولد في يوم 8 أغسطس سنة 1933م في حي من الأحياء الشعبية العريقة وهو حي السيدة زينب، فنشأ وسط شخصيات متعددة من الواقع المصري الأصيل مما كان له الأثر الكبير عليه في صدق وإثراء أدائه، ودرس بالمدرسة الخديوية حيث اكتشفه المخرج المسرحي الفنان “كمال ياسين” ، وتخرج في كلية الأداب جامعة القاهرة “قسم اجتماع” ، ولأنه كان هاويا للفن فقد التحق بمعهد التمثيل حتى يدرس الفن ليصقل موهبته ويشبع هوايته، وعمل مدرسا لمادة علم النفس لفترة بسيطة ثم ترك الوظيفة ليتفرغ للفن حيث كان قد التحق بفرقة المسرح الحر، وبالفعل برز في عدد من الأعمال المسرحية التي صنعت نجوميته الكبيرة كفنان كوميدي له طابعه الخاص المتفرد الذي لم يقلد أحدا ممن سبقوه مثل: “الدبور” ، و”سنة مع الشغل اللذيذ”، و”المفتش العام”، “البيجاما الحمرا” ، و”الدخول بالملابس الرسمية”، و”العالمة باشا”.
أما في السينما فقد ظهرت موهبته الكوميدية من خلال عدد من الأفلام التي أدى فيها أدوارا مساعدة مثل: “معبودة الجماهير” ، و”30 يوم في السجن”، و”ميرامار”، وغيرها قبل أن ينتقل لبطولة أفلام غير خلالها من طبيعة أدائه مثل: “ضد الحكومة” ، و”الإمبراطور”، و”الهروب”، و”المرأة والساطور”، وقد حصل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي عن دوره في فيلم “المرأة والساطور” الذي يعتبر أول وآخر بطولة مطلقة لهذا الفنان الكبير، ورغم أنه كان يستحق هذه الجائزة لكنها تعتبر جاءته متأخرة حيث كان يستحق التكريم عن عدد كبير من أدواره في أفلام عديدة قبل هذا الفيلم خاصة دوره في فيلم “ضد الحكومة”.
وفي التليفزيون قدم الفنان ” أبو بكر عزت عددا كبيرا من الأعمال التي ما زالت عالقة بأذهان عشاق الدراما وأشاد النقاد والمشاهدون بأدواره في هذه الأعمال مثل: “أرابيسك” ، و”علي الزيبق”، و”زيزينيا” و”الزوجة أول من يعلم”، و”رأفت الهجان”، و”السقوط في بئر سبع”، وغيرها.
عرف الفنان أبو بكر عزت بأنه كان يدقق في اختار الشخصيات التي يجسدها في أعماله ولم يكن ممن ينشغلون بمساحة الدور أو كثرة الأعمال، بل كان همه الأكبر أن تكون أعماله إضافة قوية لتاريخه الفني الكبير، وهذا لأنه كان فنانا يحترم تاريخه ويحترم نفسه ويحترم مشاهديه وعشاقه فاحترمه الجميع سواء المشاهدون أو النقاد، ومع أنه لم يتم تكريمه على قدر موهبته وعطائه إلا أنه ظل يعمل لأواخر عمره بنفس طريقته التي اعتاد عليها ولم يتغير مثلما تغير الكثيرون في عالم الفن الذي ابتلي بالدخلاء من تجار الخيش والخردة وأخيرا تجار “اللحمة” الذين أصبحوا يسيطرون على سوق الفن حاليا.
تزوج الفنان أبو بكر عزت في 27 فبراير سنة 1965م من الكاتبة الشهيرة “كوثر هيكل”، وأنجب ” د. سماح” التي تزوجت من الكاتب الشهير “د. خالد منتصر”، و” أمل” زوجة المخرج “خالد الإتربي” ، ومن المعروف أن زوجته الكاتبة “كوثر هيكل” كانت زميلته في نفس الكلية، وعاش محبا مخلصا لها طوال عمره حتى جاء يوم 27 فبراير سنة 2006م، وكان يستكمل تصوير مسلسل “ومضى عمري الأول” وبينما هو يستعد للاحتفال بعيد زواجه “41” حيث أرسل باقة من الزهور لزوجته إذ فاجئته أزمة قلبية حادة انتقل على إثرها لمستشفى الصفا بالمهندسين لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة فور وصوله إليها، وهكذا ودع الحياة وهو في أشد حالات إقباله عليها، حيث تروي زوجته أنه قال لها في يوم وفاته: “أنا حاسس إني عريس جديد”، وبالفعل كان في هذا اليوم عريسا تم زفافه للسماء.