سامح عبده
في فترة من الفترات لم تكن البيوت المصرية تخلو من تماثيل جبسية له، وكان أول فنان يطلق اسمه على محطة أتوبيس، وهي محطة المسرح القومي بمنطقة كامب شيزار بالإسكندرية، وهو أول فنان تظهر صورته على علب الكبريت.
هو صاحب الجلباب البلدي و”الطاقية الطويلة والعصاية”، الذي اقتحم مجال التمثيل والمونولوج، بشكله غير الوسيم و صوته الشعبي، الذي جعله من علامات الفن المصري. إنه محمود ابراهيم إسماعيل، الشهير بـ”شكوكو”، المولود بإحدى حواري حي سوق السلاح بالدرب الأحمر، ضمن 12 أخ وأخت، وكان والده يعمل في مهنة النجارة، التي ورثها عن أبيه وورثها أبوه عن أجداده، فكان من الطبيعي أن يعمل شكوكو نجارا مثل والده، وظل معه حتى بلغ من العمر 20 عاما.
كيف كانت بدايات شكوكو ورحلته مع الفن؟ وما سر تسميته بهذا الاسم؟ وماذا أضاف لفن المونولوج؟ وما سر الجلابية والأراجوز؟ وكم بلغ إنتاجه الفني؟ وكيف كانت نهاية حياته؟ البداية كان شكوكو يغني في ورشته لمحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، ومحمد العربي والحاجة زينب، التي اشتهرت بالغناء البلدي، ثم بدأ يتسلل إلى مقاهي شارع محمد علي، ليُشاهد الفقرات الفنية المقدمة هناك، ثم يعود إلى المنزل ويقوم بتقليد كُل ما شاهد، بحسب ما حكى في حوار سابق مع الفنان والإعلامي سمير صبري على التلفزيون المصري.ويحكي أن بداياته كانت مع الغناء في الأفراح ” منها مجاملة”، حيث عمل لدى فاطمة الكسار، مطربًا في الموالد والأفراح بروض الفرج، بجانب مهنته الأساسية “النجارة”، والتي كان يكسب منها ما يقرب من ٢٥ قرشًا يوميًا، مضيفاً أنه لم يكن محترفا للغناء حتى عام ١٩٤٠، فيما كان أول أجر يحصل عليه هو “قرشين صاغ”. علي الكسار بعد الإقبال على شكوكو والشعبية التي حققها، نتيجة الغناء في الأفراح، شاهده بالصدفة الفنان علي الكسار، فأعجب بأدائه للمونولوجات، فصمم على ضمه لفرقته، ومع النجاح الكبير الذي حققه مع الكسار، كون فرقة استعراضية مع سعاد مكاوي وثريا حلمي، وقدم معهما الكثير من المونولوجات، بحسب ما حكى. الإذاعة المصرية رغم النجاح والشهرة التي حققها شكوكو، إلا أن نقطة التحول في حياته جاءت عندما التقى الإذاعي محمد فتحي، الشهير بـ”كروان الإذاعة”، والذي قدمه للإذاعة
المصرية عام 1936، وبهذا أصبح أول مونولوجست يقف أمام ميكروفون الإذاعة، لينضم بعد ذلك لفرقة حسن المليجي، ثم إلى فرقة محمد الكحلاوي، ومن خلال هذه الفرقة بدأت شهرته تزداد.
إسماعيل ياسين كون محمود شكوكو مع إسماعيل ياسين ثنائياً مونولجيا شهيرا، ومن أشهر المونولوجات لهما “الحب بهدلة، الليل الليل، احنا التلاتة” ، بعدها قام بتأجير سينما “كليبر” الموجودة في شارع فؤاد بوسط البلد، وقام بتحويلها إلى مسرح يحمل اسم فرقتة الخاصة “محمود شكوكو الاستعراضية”.
المونولوجات وقضايا المجتمع لم تكن مونولوجوهات شكوكو للترفيه فقط، لكنها حملت قضايا، فغنى عن حال الشباب قائلا: “من بعد شباب الأيام دي حكايتهم زي الحدوتة على البعد تقول ده أفندي تقرب تقول بنوتة.. على الناصية وعلى باب السيما بسمع قله قيمة”، ولم يغفل عن الحالة الاقتصادية فغنى للجنيه قائلًا: “السح الدح إمبو الواد طالع لأبوه.. يا عيني يا كبدي عليه الحلو اللي اسمه جنيه.. الحلو اللي اسمه جنيه ليه قيمته قلت ليه وخصوصا لو فكوه”.
وعن الحب من طرف واحد غنى: “ليلي طال.. وليله لأ.. ليله لأ.. وليلي طال.. قلبي ماله.. وقلبه لأ.. والله طيب.. والله عال.. ليلى طال.. وليله لأ.. لما شفته اتخض قلبي وقال يا ماما.. كنت قبل هواه فغاية الاستقامة.. قل أعوذوا لما اعوزه.. ويقابلني لاوي بوزه.. ابقى يوسف وهبي واشطر فالدراما”.
الجلابية وكشف خلال لقائه مع سمير صبري عن أن بداياته الفنية كان يغني ببدلة زرقاء، وأنه لبس الجلابية ابتداء من أغنية “ورد عليك فل عليك”، والتي عرفه الجمهور بها.
الأراجوز فكر في اتجاه جديد ينعش شعبيته وجماهيريته بعد أن تراجعت في نهاية الخمسينيات، لظهور عدد كبير من فناني المونولوجست، فقرر تحويل فنه الاستعراضي لفن العرائس، وأحيا شخصية الأراجوز وغنى له قائلا “الأراجوز يا سلام سلم”. كان شكوكو يصنع العرائس الخشبية بنفسه، وقدم بعض مسرحيات العرائس مثل “السندباد البلدي” و”الكونت دي مونت شكوكو” وكلاهما من تلحين محمود الشريف وسيد مكاوي، ومن إخراج صلاح السقا، وعلى الرغم من أن مسرح محمود شكوكو للعرائس توقف نشاطه أواخر عام 1963 لضيق الأحوال المادية، إلا أنه كان البداية الحقيقية لإنشاء مسرح القاهرة للعرائس، ولم تقف شهرته عند حدود مصر والدول العربية، بل أتاحت له موهبته الفرصة ليطوف الكثير من بلدان أوروبا وأمريكا اللاتينية، بعرائس الأراجوز الخشبية.
سبب تسميته بـ”شكوكو” روي خلال استضافته بأحد البرامج التلفزيونية النادرة، أن سر تسميته بهذا الاسم جده، حيث كان مهتمًا بتربية الديوك الرومي، وكانت تصدر صوتًا مقارب لكلمة “شكوكو” فأحب هذا الاسم، وقام بتسمية الديك به، كما اختار هذا الاسم كدلع لنجله إبراهيم والد الفنان شكوكو، ومن هنا عرف باسم محمود شكوكو، ثم أصر جده على أن يكون اسمه بشهادة الميلاد مركبا وهو “محمود إبراهيم شكوكو” ولكن عرف في الوسط الفني باسم شكوكو.
أرقام في حياته قدم شكوكو أكثر من 600 مونولوج ألف معظمها عفويا، حيث إنه لا يجيد القراءة والكتابة، ولم يكن شكوكو مونولوجست فقط بل قدم أكثر من 100 فيلم ومن أبرزها، “أحب البلدي” “جمال ودلال” “بنت المعلم” “عنبر” “قلبي دليلي” “ابن الحارة” “اسمر وجميل” و”عنتر ولبلب ” “الأسطى حسن” “بائعة الخبز” وكان آخر ظهور له في السينما في فيلم “شلة الأنس” عام 1976.
آخر أعماله السينمائية وفي العام 1963 بعد أن مثل في فيلم “زقاث المدق” ابتعد تماما عن السينما، بسبب المرض، حتى عاد العام 1971 في فيلمين هما “حرامي الورقة” و”واحد في المليون” بعدهما ظهر شكوكو لعدة ثوان معدودة في فيلم “أميرة حُبي أنا” مُشاركًا برقص تعبيري مع سعاد حسني، وكان آخر فيلم مثله محمود شكوكو في حيات “شلة الأنس”.