بقلم مروة فتحى
واحدة من اكبر ميزاتنا وعيوبنا فى ذات الوقت هى قدرتنا الكبيرة على التكيف والانسجام واستبدال عاداتنا بأخرى فى وقت قصير فور اعتيادنا على الجديد… ومع مرور الوقت نجد ان الجديد اصبح موروث والابتعاد عنه خطيئة فى حق المجتمع تستوجب النفور والابتعاد عن الفرد الذى لايتبع الجمع… والغريب فى الامر ليس شجبنا ونفورنا من الشاذ عن الجمع ولكن العجيب هو اننا بعد قليل من الوقت نجد اننا نحذو حذومن نفرنا منه ونسهو عن العادة القديمة وبهذا نصبح بلا قوامة او هوية فنحن كورقة شجر سقطت فى الخريف تذهب بها الرياح اينما شائت …فلا نعطى لانفسنا دقائق قليلة نرى بها هل لتلك العادة المكتسبة اصول فى ثقافتنا او ديننا او حتى تتوافق مع قوامنا الفكرى وتساعد فى رغبتنا للتغيير نحو الافضل او هى مجرد عادة رزيلة مكتسبة علينا لفظها من مجتمعنا كى لايكتسبها الاجيال القادمة وتسبب شرخ فى شخصيتنا الاسلامية والعربية؟
وعلى الرغم من ان القدرة على التغيير والتكيف ميزة هامة فى النفس البشرية تمكنا من التجديد والابتكار واكتساب معارف ومهارات جديدة تعزز قوتنا وتجعلنا ننتقل بمجتمعاتنا للأفضل ولانكون كالحجارة الصماء الا انها تكون نقمة ان امتدت الى الجذور وانتزعت منا هويتنا وتركتنا بلا منطقية او اساسيات من خلالها نصدر الحكم على كل فكرة حديثة فى محتواها ومدى تناسبها معناونتحول الى دور المتلقى بلا عقل كالوعاء الفارغ…
نحن فى حقيقة الامر تغلب علينا العادة فتضحو اهم وابقى من لغة العقل والمنطق او حتى الدين…حتى اصبحت هويتنا غير واضحة المعالم…
وكى نقرب الصورة للأذهان لنتخيل ان هناك عروس جديدة ذهبنا لزيارتها فى منزلها بعد الزواج ووجدنا ان كل ستائر المنزل سوداء!
سنشعر فى البداية بالاستغراب وربما النفور الشديد منها وسنتسائل عن الاسباب وستبدأ هى فى ايضاح الاسباب وعقولنا كلها استنكار لكل ماتقول من قبل ان تقول فلن نستمع لشئ…وسنخرج من بيتها فى هذة المرة الاولى لاحديث لنا سوى عن هذة المختلة غريبة الاطوارالتى حولت بيتها لصومعة سوداء…وكل من سيزورها سيشعر بالحزن وكانه فى مأتم…
وفى الزيارة الثانية سنكون نفسيا معدين لرؤية ستائرها السوداء ومازال النفور بداخلنا وسنستمع لاسبابها كى نقصها على كل من سيتسائل لكى نفوز بلقب العلامة الذى يعى ويفهم بواطن الامور…ومع تكرار الزيارات ستعتاد اعينا على وجود هذة الستائر ثم يزداد الامر اعتيادية حين تتزوج اختها او صديقتها او اى احد قريب منها وقد تاثر برايها واشترى سائر سوداء لمنزله…وياخذ الامر منحنى اخر…فبدل من ان ننفر نكتفى بالقول انها فعلت مثل فلانة ثم دون وعى نردد ميزات الستائر السوداء فى المنزل وافضليتها عن اى لون الاخر وهو ماسبق وقيل لنا من اسباب رفضها عقلنا…وبعد فترة سنجلس فى منزلنا نتامل ستائرنا القديمة التى لايدافع عنها احد ولا يشترى مثلها احد ونقرر ان نكون حديث الجميع ونشترى ستارة سوداء واحدة لنواكب الحدث مثلنا مثل الجميع وندافع عن ستارتنا السوداء لو رفضها احد وتنتقل الفكرة من هذا لذاك حتى نجدها بعد عشرين عاما عادة اساسية فى جهاز كل عروس ان تشترى ستارة سوداء فى جهازها مثل التى تمتلكها والدتها وخالتها وابنة خالتها و…
وسنجد روايات رائعة تتناسب مع طبيعتنا مثل انها تجلب الحظ فى الحياة الجديدة وتمنع الحسد وحتى لايقال اننا نتفائل ونتشائم فكل الالوان سواء او الاسود يليق بكل الالوان…وهكذا من افكار تجعلنا نتمسك بتلك العادة دون معرفة اصلها او حتى يترك لنا القرار هل نريد اتباعها ام لا…ولن نتذكر ان اول من فعلت هذا نعتها الجميع بالمختلة الكئيبة…
والان انظر الى عادات يومك كاملة وامعن النظر أكثر فى التفاصيل واناوانت نعلم انك ستجد الكثير من الاشياء الغير مبررة فعلتها وتفعلها لمجرد العادة دون ان تعى اسبابها ربما تضرك نفسيا وصحيا وماديا واجتماعيا ولكنك لاتقوى على تغيرها ليس لضعفك او عجزك ولكن لان فكرة الخروج عن الجمع وعدم اتباع المألوف فى حد ذاتها عادة غير مكتسبة حتى الان فى مجتمعاتنا الشرقية…
وانظر على المستوى الاعلى ففى المجتمع عادات اجتماعية اكثر غرابة وابعد مايكون عن الدين ولكن تم اصباغ صبغة دينية عليها كى تظل عالقة فى الازهان ولايجوز تبديلها…
كمثال بسيط فكرة خدمة الزوجة لوالدة زوجها والذى تحول للاسف الشديد لمجرد ان الرجل يشترى خادمة ومحظية لوالدته فلاتقييم لها سوى خدمة اهلة ولا ثمن لها ان لم تفعل…فهل هذة الصورة لها اصول دينية او انسانية او اخلاقية؟ وهل تضيف شيئا بوجودها الى القوام الانسانى للشخصية العربية الاسلامية؟ والى اى مدى تؤثر ايجابيا فى تماسك الاسرة وتفعيل دورها المجتمعى لانتاج اطفال وابناء اسوياء يستطيعون النهوض بالامة ؟
بالطبع لانكترث للإجابة عن هذة الاسئلة بل ونعتبر مجرد الخوض فى فكرة تصحيح موروث خاطئ يهين كيان المراة ويدمر نفسيتها وعليه يدمر اطفال واسرة الى الخوض فى غابة مظلمة فهذة العادة السابقة كمثال اخذت صبغة دينية كطاعة الزوج وحرمانية طلب اى حقوق للزوجة لانة يدخل فى دائرة عدم الرضا وامتد الامر لموروث اخر مثل ان غضب الله سيصب على راس الزوجة لو غضبت والدة زوجها عليها …ويمكن ان نجلس لنضع مئات الافكار والحكايات التى تؤكد هذة العادة الموروثة…
وبالقياس ستجد ان هناك الملايين من العادات الخاطئة التى تساهم فى نقل الطاقة السلبية والأفكار ربما الفاشية والمنحلة عبر الاجيال والامر الذى بدوره يمزق الكيان الفكرى والشخصية الاسلامية…فالامر لايقف عند عادة خاطئة نتوارثها بل يمتد الى اسلوب حياة فانت تخلق جيلا لايعترف بالمنطقية ولا باستخدام العقل فى تصرفه …جيل ينفر من دينه الذى يقيدة ويسلبه انسانيته …جيل كل ادواته هى التكرار فى الاقوال والافعال …جيل بلا مرجعية تحصنه من السقوط فى هاوية الفشل والانحلال …جيل سهل الاعتياد والاكتساب لكل ماهو مصدر اليه من الغرب فى كبسولات ظاهرها عسلى وباطنها سام… جيل لايقوى على الابتكار ولا الابداع…جيل مقيد بعادات بالية واوهام بعيدة كل البعد عن دينه واخلاقياته…
اصبحنا صورة مهتزة تجمع بين ماضى ضاعت ملامحه وحاضر يتفنن الاخرين فى تشويه ومستقبل لانعرف عنه شئ ولانملك اى ادوات لرسمه…
لمصلحة من نبقى وعاء يصب به كل من يشاء مايشاء؟
انت تستطيع تغيير حياتك للافضل وشجب كل العادات السلبية فى محيط نفسك واسرتك وعملك…ومن هنا سيتغير المجتمع للأفضل…
والبداية ان تتوقف عن فعل اى عادة مهما كانت صغيرة او كبيرة حتى تعرف اجابة عن هذة الاسئلة…
لماذا افعلها وما الذى تضيفة لى؟
هل لها اى مرجعية دينية او عرفيه او اجتماعية صحيحة؟
هل تفيدنى وتعزز من طاقتى الايجابية وتحسن شخصيتى؟
علموا ابنائكم المنطقية فى التفكير وعدم التكرار…ازرعوا بهم الرغبة فى التغيير والابتكار والابداع…
الدين الاسلامى ليس ملابس وحجاب وفروض وقيود بل هو حياة وحرية وانسانية وكرامة ومرونه ورحمة لن تجدها الا فى شريعة الله…
لننقذ ماتبقى من حياتنا وكياننا وابنائنا ونمزق الستائر السوداء من حولنا …