صحتك بالدنياعام
اليوم العالمي للتوحد
كتبت دكتور بسمه محمد
في الثاني من ابريل يحتفل العالم كل عام باليوم العالمي ل (اضطراب الأطياف الذاتوية _التوحد ) كما أعلنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة منذ عام 2008 م، رغبة في توعية المجتمع ، وتغيير نظرة أفراده للمصابين بالذاتوية ؛ فالتوحد ليس عبء او ابتلاء على البشرية بل هو هدية جميلة . إذا كان الإنسان يتم تقييمه في هذه الحياة بمقدار عطائه فإنه لا يصح بأي حال من الأحوال أن يتعرض المصابون باضطرابات الطيف الذاتى للوصم والتمييز؛ لأنهم أهدوا لنا الكثير والكثير. منهم (إديسون) الذي للعالم 1904 اختراع ،و(نيوتن) الذي نقل البشرية بنظرياته نقلة علمية مميزة ، و (بيتهوفن) الذى أثرى الحس والروح و الذوق العام بمقطوعات موسيقية هي الأفضل على الإطلاق ، وغيرهم الكثير من العباقرة والعظماء كانت لديهم أعراض توحدية .
يعتبر التوحد احد انواع تأخر وتراجع قدرات الطفل ، وهو عبارة عن مصطلح مترجم اسمه (Autism) يعني التوحد أو الذاتوية لأن الطفل يكون مقتصر عالمه حوال ذاته .تختلف شدة التوحد من طفل لآخر لذا هذا الاضطراب مصنف بالانجليزي تحت عنوان
autism spectrum disorderتحت مسمى : اضطرابات طيف التوحد
وهو عبارة مجموعة من الاضطرابات الشاملة في النمو، تسبب مشكلات في المهارات الاجتماعية ومنها التواصل البصري والسمعي والحسي.. قد يسمع الاصوات اعلى من العادي او العكس ويشعر بحضن امه على انه شوك او العكس يخبط راسه في عرض الحائط عدة مرة من غير الاحساس بالألم وأيضا مشكلات في التواصل اللفظي وظهور اشكال غريبة من السلوك الحركي، انه مثلا يظل يلف ويدور كتير جدًا من غير تعب او دوخه وفي سلوك اللعب لا يفضل أن يلعب مع أحد ولا يحب الألعاب المتطورة قد يرغب ان يفكك اللعبه ويكتفى باللعب بجزء منها .ويبدأ الأهل ملاحظة هذا بدءا” من الشهرالثامن عشر فالطفل قد يولد طبيعيا ويحدث تراجع لمهارات التواصل البصري و التقليد و المناغاة بمرور الشهور .
إقرأ أيضا
اضطراب طيف التوحد يمكن ان يصيب اي فرد من الأعراق والمجتمعات المختلفة ، ومن كل الأنماط الاجتماعية و الاقتصادية . وقد اشارت آخر الإحصائيات العالمية ان طفل من كل 160 طفل بالعالم _اي ما يقدر بحوالى 67 مليون طفل _ معرض للإصابة بالتوحد ، لكنه شائع لدى الذكور 4 مرات اكثر من الإناث . تتفاوت عوامل الخطورة والاكتشاف له .
يبدأ تشخيص اضطراب الطيف الذاتوى منذ عام 1943 وتواصلت جهود العلماء وتم وضع عدة نظريات له فى امهات كتب الطب منها على سبيل المثال DSMFive ، رغم مرور هذه الأعوام على الأبحاث إلا أنه و إلى الآن لم يتم كمال التعرف علي لأسباب المباشرة لحدوث التوحد فهى غير واضحه بصورة كامله إلى الآن مما دفع بعض الباحثين إلى إطلاق مسمى “الإعاقة الغامضة” عليه ،ولكن هناك عوامل جينية و حيوية و بيئية معينة تشكل عوامل خطر للإصابة بالتوحد .
– يرى الكثير من العلماء أن العجز النمائي او التطورى هنا ينجم عن اصابات او شذوذات فى مناطق محددة من الدماغ مختصة بتفسير السيالات الحسية الواردة و معالجة اللغة و فهمها .هذه المناطق تعنى بالوظائف الفيزيائية والتعليمية واللغوية او السلوكية للأفراد .
– اتفق معظم العلماء أن الجينات احد عوامل الخطر التى تجعل الطفل أكثر عرضه للاصابه باضطراب طيف التوحد وحوالى 20 % من مصابي التوحد تكون لديهم اضطرابات جينية محددة قد تضمن متلازمة داون او متلازمة الصبغي X الهش fragile X Chromosome
– تزداد احتمالية اصابة الأبناء به اذا كان الوالدن أعمارهم كبيرة نسبيا الاب يفوق 40 عام ، والأم تفوق 35 عام
– اصابة فرد من احد افراد العائلة بالتوحد يرفع احتمالية اصابة الآخرين وتشير الدراسات تحديدا انه اذا كان للأخ اخت كبرى مصابة بالتوحد فإن احتمال الاصابة بالاضطراب تكون بنسبة 1 مصاب إلى 5 سليم .
هناك عدة عوامل بيولوجية قد تسبب إصابة الجنين بالتوحد :
– منها إصابة الأم بالحصبة الألمانية Rubella والتصلب او اى عدوى تؤثر على الجهاز العصبي المركزي او نقص بعض المعادن الضرورية لدى الأم اثناء الحمل مثل الزنك و الماغنسيوم و البوتاسيوم واليود .
– تناول الأم لأدوية تحتوى على الثالوميد Thialomide وهو دواء مناعي يستخدم فى علاج بعض أنواع السرطانات ، والجزام .
إقرأ أيضا
– تناول المستحضرات التى تحتوى على حمض الفالبوريك Valporic acid الذي يستخدم فى علاج الصداع و الاضطراب الثنائي القطب .
و لسنوات قريبة جدا كان هناك معتقد شائع أن بعض انواع اللقاحات التى تحتوى على مواد حافظة مثل الزرنيخ او الرصاص تسبب ترسب لهذه المواد الثقيله في الدماغ لدى الأطفال الذين لديهم قابليه للاصابة بالتوحد . ثبت مؤخرا و بشكل حاسم أنه لا توجد علاقة سببية بين اللقاح المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية واضطرابات طيف التوحد. قد خلصت دراسات منظمة الصحة العالمية بخصوص هذا الشأن بوضوح إلى عدم وجود أي خطر.
الطفل التوحدى طفل انطوائي _ذاتوي_ واضطراب طيف التوحد مصطلح جامع يشمل اعتلالات من قبيل التوحد الطفلي والتوحد اللانمطي ومتلازمة أسبرغر.يتم تشخيصه قبل ثلاث سنوات من 2_5 ، إذا تجاوز الطفل الخامسه طبيعيا غالبا لن يصاب باضطرابات الطيف الذاتى .
أعراض التوحد تكون في عدة مجالات مجتمعه معا :
التفاعل الاجتماعي يكون أقل من اقرانه يلاحظها جيدا من سبق لهم الانجاب و لا يوجد تواصل مع الآخرين بصري او سمعى فهو لا يستجيب لمن حوله – ملامح وجهه جامدة – لا يبدي أي تفاعل ، واللغة (تكون مختلفة لها نمط تكراري ) ، و التصرفات الطقوسية المتكررة باستمرار (المشي على اطراف اصابعه مثلا ) ، ويعانى من قلة النشاط وخلل في النشاط التخيلي (التعلم ) وبالنسبة لمعدلات الذكاء فإن نسبة 4_5% من التوحديين عباقرة ، 10_15% ذكائهم قريب من الطبيعي ، 50_60% مستويات مختلفة من الذكاء .
وهناك نظرية علمية تلخص التوحد في أنه صعوبة إدراك الحالة العقلية للآخرين حيث اقترح العالم ( كوهين) ان اضطراب الطيف الذاتوي يعني عدم القدرة على استنتاج الحالة العقلية لمن حوله ،و صعوبة فى تصور أحاسيسهم ومشاعرهم او تخيل ما قد يدور في أذهانهم من تفكير ؛ فهم قد يعتقدون أنك تعرف تماما ما يفكرون به رغم ضعف مهارات تقمصهم العاطفي وصعوبة التكهن بما قد يفعله الآخرين .
وبسط (كوهين) نظريته بنظام تمثيلي يعرف باسم (نظرية العقل) او (اختبار سالي آن) : سالي و آن دميتان يراقبهما الطفل ، تغادر سالي الحجرة و تقوم آن بنقل كرة من سلة امام الطفل الى صندوق ويطرح على الطفل سؤالا أين ستفتش سالي عن الكرة تكون اجابة الطفل الطبيعي في السلة اما الطفل التوحدي يقول الصندوق وهنا تحدث العالم عن رسم بياني بين العلامة الدالة والإدراك الحسي للنوايا و طريقة التمثيل العاطفي .
يرى العلماء ان التطور اللغوى هو ناقوس الخطر الذي يجب ان تنتبه له الأم عند سنة ينطق كلمة او اثننان ، والسنتين من 100 إلى 200 كلمة ، وعند الثالثة 1500 كلمة و عند الرابعة يبدأ بتكوين الجمل . عند السنة والنصف إذا لم ينطق بكلمة واحده تكون لدينا مشكلة نماء وتطور لغة .
هناك اعراض قد تصاحب الاختلالات السابقة مثل : الشذوذ الوجداني فجأة يبكي ثم يصرخ او يضحك ، الشذوذ بالأكل يتقبل طعام معين ولا يتقبل غيره ، اضطرابات في النظافة و تقدير حجم الخطر والشعور بالألم ، لا يتقبل تغيير نظام الديكور من حوله .
و قد يصاحب التوحد امراض اخرى مثل الصرع والاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.
لكل انسان بصمة دماغية خاصة اكثر تعقيدا من بصمة الاصبع و الأبحاث مازالت متواصله إلى هذه اللحظة للوصول إلى علاج التوحد . من أجل تعزيز عافية مصابي التوحد ينبغي التدخل في مرحلة الطفولة المبكره ويشتمل هذا التدخل محوريين أساسيين اولهما التقييم الجيد ثم التأهيل . العلاج السلوكي التعليمي والتدخلات السلوكية لتوجيه عملية النمو هو حجر الاساس في التعامل مع الذاتويين . ينبغي وصف العلاجات المناسبه لما قد يصاحب التوحد من امراض ( سلوك عدواني _فرط حركة او نوبات صرعية )، وان تتم المتابعة الجدية وعمل الفحوصات اللازمة من صورة رنين _تخطيط دماغ_تحاليل دم _ونسبة ايونات وغيرها . لا نخفي سرا ان التوحد اضطراب مكلف فقد يتطلب الطفل معلم خاص به لديه خبرة وتدريب كافي بطبيعة هذا الاضطراب ومتدرب اجتماعيا وعلميا و سلوكيا لمدة قد تصل إلى سبع ساعات يوميا . يجدر بمانحي الرعاية لطفل التوحد ان يحاولا قدر الإمكان الابتعاد عن الانفعالات السلبية مثل الغضب والقلق والاكتئاب؛ لأنها هتأثر سلبًا على الطفل . الالتزام بروح الصبر والمثابرة في التعامل مع الطفل ؛ والاستمرار في تطوير مهارات الطفل وتدريبه على الاندماج في المجتمع ؛ومتابعة كل جديد في عالم التوحد؛ لإنه لا يزال عالم غامض وكل يوم بيُكتشف فيه شيء جديد ؛التعرف على خبرات السابقين ممن نجحوا في التعامل مع طفلهم بإيجابية ونجاح و معرفة كيفية التكيف مع المشكلات السلوكية اللي بتواجه الطفل ؛ التحلى بالأمل و فهم الحالة واستياعبها وتقبل الوضع والتوكل على الله و الأخذ بالأسباب .
لا يبقي لك الآن عزيزي القاريء سوى ان اخبرك ان شعار اليوم العالمي للتوحد هو (نورها light it up(
يعني ان ننير المستقبل سويا و نقوم بإيقاد شمعة الحب والمعرفة والتعلم ، و نبادر في هذه القضية ونخدم أهالى المتوحدين ، ونتحلى بالإيجابيه تجاههم بدلا من الكسل والتهاون و عدم الاكتراث ولنا في التاريخ النبوى خير دليل على دمج ذوى الإعاقة بالمجتمع ؛ فالرواية التى يقرأ بها معظمنا القرآن قرأة حفص عن عاصم هى عن (أبي بن كعب) وقد كان طريحا للفراش ثلاثين عام و رغم ذلك لم تمنعه اعاقته من ان يكون له دور في حفظ و نقل القرآن و تعلمه واشتراكه في المجتمع . ثقافتنا ستخفف الحمل عن اهالي المصابين و تطوعنا بالجمعيات ومراكز التوحد والتأهيل وتقديم الدعم للتوحديين يسعدنا و يبعث الحياة بداخلنا .