الفن مهنة لا يليق لكل من عبر أن يلتحق بها، فتلك المهنة تتطلب من صاحبها أن يعيشها بكل تفاصيلها حتى يمكن من اقناع جمهوره بما يؤديه، ومما لا شك فيه أن حجم الدور وحده فقط لا يصنع نجوم؛ فكم من مشهد واحد صنع من أصحابه نجوم متلألأة في سماء الفن وهذا لا يعني أبداً تهميش الشخصية المحورية للعمل قدر ما يعني رفع شأن من يستحق الرفعة حتى وإن لم يكن هو البطل.
لذا سنتطرق معكم في الحديث عن شخصيتين رائعتين بكل المقاييس، أثبتا جدارتهما في تلك المهنة بقدر كبير رغم أن أرشيفهما لا يتعدى العملين فقط لكل واحد منهما، هما شقيقان ولكن كلاهما برع وأثبت استحقاقه لأن يخلد اسمه في ذاكرة كل المصريين حتى يومنا هذا من مجرد عمل واحد أو عملين، فيبدو أن جينات الموهبة تقاسمت بينهما فلم تنحاز لشخص على حساب الأخر، إنهما الأخوين “ميمو رمسيس، وجمال رمسيس”.
للمزيد
من منا لا يعرف “لوسي بن طنط فكيهة” في فيلم إشاعة حب، أو “أبو شفة” في فيلم ملاك وشيطان، لم تكن تلك الأدوار محورية في العمل لأنها علقت في أذهان الجمهور إلى يومنا هذا، ليثبت هذان الشقيقان أن البطل الحقيقي هو الذي يصنع نفسه ويعلو بالشخصية التي يؤديها مهما كان حجمها، لكن انتهى دور الشقيقين مبكرا بعد هجرتهما إلى أميركا واختفائهما تماما عن الأضواء ولا أحد يعرف حتى اليوم هل هل أحياء أم أموات!؟.
الأخ الأول هو جمال رمسيس الشهير بـ”لوسي” في فيلم “إشاعة حب” بطولة عمر الشريف وسعاد حسني وهند رستم ويوسف وهبي، والذي اختاره المخرج فطين عبدالوهاب ليسند له تلك الشخصية التي أبهرت الكثيرين، وهي شخصية الشاب المدلل الذي يعتمد على أموال أسرته ويجيد الرقص والغناء بالعديد من اللغات، حيث كان جمال يجيد التحدث بكثير من اللغات لأنه من أصول أوروبية، ولم يصدق جمال نفسه لاختياره لتجسيد تلك الشخصية التي استطاع أن يثبت جدارته في أدائها وأصبح بعدها محل اهتمام كثير من المنتجين والمخرجين إلا أنه رغم ذلك لم يرتبط في أي أعمال أخرى وهاجر في العام ذاته الذي عرض فيه فيلم “إشاعة حب” ولم يبق في رصيده الفني إلا فيلمين الفيلم الأول هو “إسماعيل يس في البوليس السري” والفيلم الأخير هو فيلم “إشاعة حب”.
أما الأخ الثاني هو الفنان “ميمو رمسيس”، الذي تخصص في أدوار الشر وأثبت جدارته أيضا حيث أشاد به كثير من النقاد وبأدواره وقدرته على تجسيد أدوار الشر ببراعه شديدة ورصيده الفني هو الآخر فيلمين الأول هو فيلم “إسماعيل يس في البوليس السري” عام 1959 وقدم دور زعيم العصابة وكانت له مقولة شهيرة في هذا الفيلم وهي “عطشان يا شاويش” ، والفيلم الأخير له هو فيلم “ملاك وشيطان” عام 1960 وقام بدور ” أبو شفه” وهو دور شر أيضاً.
ولكن هاجر الشقيقان “جمال وميمو رمسيس” إلى أميركا وبعدها تضاربت الأقاويل بشأن اختفائهما حتى أنه قيل إن جمال رمسيس هو “رأفت الهجان”، خاصة بعد أن أذيع أن “رأفت الهجان” عمل بالفن قبل سفره إلى إسرائيل، ولكن انمحت تلك الأقاويل وزالت الشكوك بعد أن أظهرت المخابرات المصرية الصورة الأصلية لرأفت الهجان، ولكن بقيت عدة أسئلة مهمة لم يستطع أحد الرد عليها وكل الردود مجرد تخمينات واحتمالات؛ لماذا لم يتم البحث عنهما حتى الآن؟ ولماذا لا نعرف عنهما شيئا؟ وما سر اختفائهما رغم نجاحهما في الفن؟
ولكن في نهاية الأمر الجميع يتفق على أنهما خسارة كبيرة للفن حيث قالت الناقدة ماجدة موريس، إن “جمال رمسيس وميمو رمسيس” خسارة بالفعل للفن المصري فكلا منهما برع في أداء الشخصيات التي قدماها، فجمال رمسيس قدم شخصية “لوسي” ببراعة شديدة ولو استمر في المجال الفني لكان فنانا كبيرا لأن هذا الدور كان سيؤهله لبطولات سينمائية عدة، أما ميمو رمسيس فهو الآخر برع في ادوار الشر ولكنهما قررا الهجرة إلى أميركا لظروف خاصة بهما لذا أعتقد أنهما قررا البعد عن الفن بإرادتهما وليس لأحد يد في اختفائهما.
كما أضاف الناقد نادر عدلي أيضا: “على الرغم من أن أدوارهما كانت ثانوية إلا أنهما استطاعا أن يثبتا موهبتهما من خلالها، ولكنهما قررا القضاء على مشوارهما الفني سريعا قبل أن يبدأ، فشخصية “لوسي” لا تزال عالقة في أذهاننا حتى الآن، فتلك الشخصية كانت تناسب جمال رمسيس وقدمها بشكل وتكنيك فني ممتاز جدا، أما عن أسباب اختفائهما فلا أحد يعرف حتى الآن السبب الحقيقي وراء اختفائهما وقيل أنهما هاجرا إلى أميركا بشكل نهائي ولا يريدان العودة”.