شعر وحكاياتعام
قصة قصيرة – سعاد
هنا يتم التنازل في المزاد العلني عن شرقية فتاة أرادت أن تصبح غير نمطية
بين شرقية مقهورة واتزان عاقل تحيا الأنوثة ‘ بين وجه كله بهاء وثقة وقوة وسعادة ووجه أخر كله بؤس وقهر وضعف وقلة حيلة وإنعدام شخصية ‘ لذا نحن هنا اليوم لنتوج هذا الحدث العالمي حيث أمتلأت القاعة عن بكرة ابيها بالحضور الطاغي لكل أنثي قاهرة لكل الصعاب ‘لتتنازل أول فتاة عربية شرقية عن شرقيتها وعروبتها لانها ببساطه لم تعط لها إلا بالسالب.
فإذا أرادت أن تسافر وحدها لتعليم او عمل او حتي كترويح للنفس وتوسيع لثقافتها ‘يعتبرونها منحلة ولا أخلاق لديها.
و إذا تزوجت وأتت لها فرصة مناسبة لاكمال تعليمها خارج البلاد ‘يعتبرونها جُنت وذلك لانها انثي شرقية يجب ان تضحي في سبيل إنجاح زواجها وفي المقابل ذلك الطرف الاخر في العلاقة لايحرك ساكناً ويكتفي بدور المتفرج وذلك لانه زوج شرقي.
وهناك أخري تنتظر بتلهف ذلك الاتصال اليومي البائس بينها وبين زوجها المغترب وهي تنتظره في بيت أبيها حتي ياتي إليها في إجازته السنوية وتتجمد باقي نواحي حياتها علي متابعة إتصالاته لها عن بعد وتربية أولادهم وحدها .هذه هي الصورة المثالية من وجهة نظرهم لكي كفتاة شرقية عربية!
وهنا أيضا تذكر سعاد تلك المرأة الكينية , حيث بعض القري في كينيا لاتُملك ولا تُورث المرأة بل تعتبرها هي أيضا ملك للرجل يتوارثها ويبيع ويشتري بها كأنه في زمن العبيد والجواري,وإذا كانت هذه المرأة لا تنجب إذا فهي سيئة الحظ حقاً حيث يُلقي بها زوجها خارج المنزل طرداً وليس لها حق الشكوي لاي شخص ,ومن هنا كانت الأنطلاقة الحقيقية لكل امرأة طُردت واُهينت فخرجت تبحث عن مأوي لها وهكذا تكونت “أوموجا” أول قرية في كينيا من نساء فقط تبني وتعمر وتعمل وتمتلك مسكنها الخاص وأملاكها وتربي من جلبت معها من أطفال حتي تنشئ جيل كامل أهم سماته هو أحترام حق المرأة في كل شي والاعتراف بحقها في أن تكون هي بكل بهائها ونجاحها وقوتها.
الرجولـة مالهـاش أي معنـى أو وظيفـة لـو مـش مبنيـة ومتأصلـة عـلى
وجـود وكيـان أنثـوي حقيقي “من كتاب علاقات خطرة لدكتور محمد طه “
لذا دعونا من المغالطة في المفاهيم بين أنوثة أضحت ذكورية حتي تنال حقها في الحياة وبين رجولة أضحت أيضاً ذكورية حتي تفرض سيطرتها الواهية وبين البعدين يضيع البعد الحقيقي للرجولة والانوثة.
الأبله هنا من يعتقد أنه إذا أقترن بأنثي ناجحة علي المستوي العلمي والمهني ,فإنها ستكون متبجحة بنجاحها في حياتها ولن تحتاج لوجوده ويكون وجوده كتحصيل حاصل بالنسبة لها ولكن هذا فكر مغلوط تماماً وذلك لان أي إنسان أنثي كان أو ذكر يحتاج من يكون بجانبه ,من يدعمه,وحتي من ينصره ظالم أو مظلوم ثم يساعده علي رؤية أوضح للأمور وذلك لان من خارج الأمر له نظرة شمولية أكثر وضوح ممن هو غارق في الأمر,تحتاج الانثي كما يحتاج الرجل إلي الشعور بالحب الخالص لشخصها بعيداً عن نجاحها وعملها ,أن توصل لها شعور العشق والهيام لذاتها ثم تفتخر بها وبنجاحها وتساعدها أن تكون أفضل كل يوم وهي مقترنه بك,لا مجرد أنثي بأجر خادمة لك ومصدر لتنجب أبنائك.
الفتاة عبارة عن ورقة شجر تراها علي قارعة الطريق متربة وغير جذابة للنظر إليها مرتين‘وهذا لانها لا تجد من يهتم بها ويحنوا عليها ويعلمها كيف تكون قوية ‘ولكن في حديقة عامة أو نادي رياضي تجد نفس الورقة مزهرة وجميلة الشكل والمنظر وذلك لان هناك من يعتني ويهتم بها ويجعلها قوية وبراقة‘ لذا اهتمي بنفسك كفتاة ولا تبحثي عمن يهتم بكي ‘كوني مستقلة في كل شي ولا تحتاجي لاحد مثقال ذرة.
ظلمة السماء أشد وقعاً أم ظلمة النفس ؟هكذا فكرت سعاد بأبتهاج وصفاء نفس “أن كل شئ له وجهان ‘وجه منير ووجه مظلم ‘وانت من تقع علي عاتقه حرية الاختيار” وهي تتأمل السماء كسجادة سوداء لا ينيرها سوي مجموعة صغيرة من النجوم ‘فتاكد لها حقيقة أن الدنيا كجناح بعوضة ‘لا يجب أن نضخم الأمور ولا تفتتنا الدنيا بل يجب دائما أن تكون الدنيا في أيدينا لاقلوبنا ‘فهكذا الرجوع إلي الله ‘ فكن دائما في معية الله.حينما كانت تمارس الجزء الخاص بالتأمل في ناديها المفضل ليلاُ أدركت تلك الحقائق الجوهرية.حيث لا سقف فوقها إلا سقف السماء بظلمتها ووحشة ليلها البهيم.
أنها سعاد !
من أضحت تسكب كل يوم جزء من روحها وتعري سقم روحها العليلة علي ورقة بيضاء كبياض يوم جديد تستقبله مهللة أملة أنه سيكون أفضل ممن سبقه ‘ أمله أنه لن يخذلها ‘ أن يكون عند حسن ظنها به ‘طالما أنها تثق بالخالق جل عُلاه وتأخذ بأسباب النجاة لانجاح سفينة حياتها التي هي رُبانها ‘حتي يُوريها التراب في قبر مظلم ‘و تُسال عما جنته يداها ! أنه لموقف جليل لو تعلمون…
هي البداية كانت تسير كسفينة تبحر في محيط ليس له قرار ‘ أو صحراء صفراء علي أمتداد البصر‘ ام في سماء لا سقف لها ‘فهكذا هي ‘خُلقت لتعيش دور غير محدود في حياة وجسد محدود.
فهي كانت تدرك منذ زمن سحيق ‘ أنها ليست كغيرها من بنات جنسها ‘ او من نوعها من البشر ‘فهي لا تربطها حدود إجتماعية أو مادية أو فكرية ‘فقط تضع فلتر واحد نصب أعينها ألا وهو ‘ هل الله راضي عما تفعله بذاتها أم لا….
فهي من تسير بجانبها في الطرقات وتحسبها فتاة جُنت وهي تحدث نفسها سراً‘ ولكنها كما قال عنها الله بسم الله الرحمن الرحيم ” ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾. [ سورة الإسراء: 44].
فهي تعيش في قوقعة إيمانيه فقط تسير في درب إصلاح الذات والنجاة بها ‘ وتنصب نفسها أداة لتحقيق عدالة الله في الدنيا بين من تحتك بهم من بشر من مختلف الثقافات ‘ فالله وضع ميزان عدله في الاخرة حيث يدخر الاجر لعباده الصالحين ‘ويضع في الدنيا جزء من ميزان العدل تحت تصرف حفنة من البشر ليحسنوا التصرف حتي يجازيهم الله خيراً في الدنيا والاخرة ‘ فهو العدل ‘لذا فلتظن به خيراً دائماً‘ أنه سينصرك ‘سيعزك‘ سيحقق لك كل ما تريده من خير ونفع لك ‘كل ما عليك يا صديقي فقط هو أن تثق به ‘فهو اللطيف الذي خلقنا ليعزنا وجعل ملائكته تسجد لنا في شكل سيدنا أدم عليه السلام.
فهذا هو دستور حياة سعاد ‘لذا فهي سعيدة وناجحة ‘ولما لا ‘وقد أدركت الهدف الذي من أجله خلقها الله‘لتعبده وتعمر أرضه…
سعاد تلك الفتاة بهجة للنظر‘فمن يراها يعتقد أنها مازالت مراهقة علي أعتاب الشباب لافتاة مقبلة علي الحصول علي درجة ماجستير‘فهي طوال الوقت تشاكس من تعرفه كفتاة شقية لا تحمل هم للدنيا “فحينما تري مجموعة من الصبيا الصغار يلعبون الكرة في طريق سيرها تقف وتشاركهم اللعب بابتهاج “
ولكن عند بدأعملها تسترجع شخصيتها القوية المسيطرة و تفرض إحترامها علي من حولها كبيراً كان أم صغيراً‘ تحلل ما تراه من مواقف لتثقل خبراتها في الحياة وتضف لقاموسها الخاص‘
فأمس مثلا حينما نزلت في مكان بعيد عن المكان المفترض نزولها فيه لم تتزمر وهي تعلم أنها ستسير مسافة كبيرة أخري ولكنها تعلم أن هناك شيئاً ما في ما حولها ستتعلم منه وها قد كان فإذا بها تتلفت يميناً ويساراً ورأت مجموعة كبيرة من الشباب في بداية الشباب والخروج من عبائة المراهقة ‘كلاً منهما يحمل حقيبة كبيرة خلف ظهره بها أشيائه الخاصة‘فكانوا كالسرب المحلق فوق في السماء تبحث عن رزقها ‘فكلما مروا بقهوة ما أو مطعم لتناول مختلف أنواع الاطعمة من معجنات وحلوي ووجبات خفيفة ‘فإذا بصاحب المكان ينادي عليهم ‘كأنهم صيداً سميناً بالنسبة له ‘ومكسب كبير يضاف إلي إيراده اليومي إذا دلفوا وتناولوا الطعام أو قاموا بشرائه من عنده ‘فإذا بواحد من هؤلاء الشباب يعلق معترضاً علي ذلك بقوله”هل يظهر علينا أننا جائعين إلي هذا الحد !” ولكن سارالشباب في طريقهم ولم يلتفتوا إلي دعوة أحد من هؤلاء الرجال.
فتعلمت سعاد من هذا الموقف البسيط الذي قد يحدث امامك بدون ان تأخذ منه العبرة والعظة دون أن تستغرق الوقت في تحليله وتأمله ‘ أن أهميتك لشخص ما تنتهي بأنتهائه من أخذ ما يريد منك ‘وإذا لم يجد منك شيئاً يستغله ‘إذا أنت كرت محروق بالنسبة له ولا يلزمه ضبط النفس والتكلم معك بطريقة دبلوماسية وعملية بل قد تجده لاينظر لك أو لا يحدثك حتي إذا رأك!
فحياة سعاد هنا تشبه إلي حد كبير وصف ألفونس دودية في كتاب قصص من الريف والمدينة حينما وصف الشاعر “و حين ينزل الشاعر من عليائه ويلتفت إلي دنيا الواقع , ثم يتجه نحو سوق المجتمع ,ويريد هناك أن يخالط الناس ويتفهم الخلائق ويدرس الحياة,إذن فسيهمل الشيئ المبتذل والشيئ الرخيص , سيهمل في الحياة كل ما هو حشو.سينظرويري ويلمس ,ولكن هيهات أن يعلق بذهنه إلا كل طريف عميق ,ولن يسجل ما يجد حوله إلا الجدير بالتسجيل,ولن يقدم لنا في أخر الامر إلا مشاهد غنية غريبة رائعة استطاعت أن تستأثر بوعيه وتستغرق خياله السابق.
كما وصف ايضاً المؤلف العالمي الرائع باولو كويلو في رواية مخطوطة وُجدت في عكرا,في حديثه عن العزلة
“بلا عزلة ‘ لن يطيل الحب بقاءه إلي جانبكم.
فالحب يحتاج إلي الراحة أيضاُ ‘ لكي يتمكن من أن يطوف السموات ويتجلي بأشكال أخري.
بلا عزلة ‘ لا تتمكن نبتة أو حيوان من البقاء حيين ‘ ولا تخصب ذرة تراب مهما يكن زمنها ‘ ولا يستطيع ولد أن يتعلم ما في الحياة‘ولا يقدر فنان أن يكون خلاقاً‘ولا ينمو عمل و يتطور.
ليست العزلة غياب للحب بل مكمل له.
ليست العزلة غياب للرفقة ‘بل هي اللحظة التي تتحرر فيها روحنا لتحدثنا‘وتساعدنا علي اتخاذ قرار في شأن حياتنا.
طوبي لمن لا يخشون العزلة‘لمن لا يخشون أن تكون نفسهم رفيقتهم‘لمن لا يبحثون بيأس ‘علي الدوام‘عن فعل شئ ,شئ يستمتعون به‘شيء يحكمون عليه.
مالم تنفردوا بانفسكم يوماً ‘فلن تعرفوها.
وإذا لم تعرفوا أنفسكم‘ستبدؤون بخشية الفراغ.
الفراغ لا وجود له.ثمة عالم شاسع يستتر في روحنا ‘ينتظر لحظة اكتشافه.
هو هناك ‘ بقوته التي لا يشوبها شائبة‘بل هو قدير وجديد لدرجة أننا نخشي الاعتراف بوجوده.
إن حقيقة اكتشاف ذواتنا تجبرنا علي تقبل واقع أن بستطاعتنا المضي أبعد مما نظن.وهذا يرعبنا.الأفضل ألا نخاطر.ولنا دوماً خيار القول” لم أفعل ما كان علي أن أفعله‘لانهم لم يسمحوا لي بفعله”.
هذا أروح .أمن . وهو في الوقت نفسه مساو لرفضكم حياتكم الخاصة.
الويل لمن يفضلون أن يصرفوا حياتهم قائلين : “لم تسنح لي أي فرصة ! “.
لأنهم بمرور كل يوم ‘سيمعنون في الغرق في بئر قيودهم ‘ وسيحيين وقت تكون فيه قوتهم في الحضيض ‘ فيعجزون عن التسلق و إعادة اكتشاف النور اللامع الذي يبرق من الفتحة فوق رؤوسهم.
طوبي لمن يقولون : “لست شجاعاً بما يكفي “.
لأنهم يعلمون أن الذنب ليس سواهم.وعاجلاً أو اجلاً‘سيجدون الايمان اللازم لمواجهة العزلة وخباياها.
جربت يوماً أن تحيا و أنت تغمرك نعم الله ‘مع أنك لست بشخص بوهيمي تحيا وحدك ‘ ولكن هناك غشاء شفاف يجعلك غير متفاعل عما حولك من بشر كأنك لست منهم ‘فأنت هنا وحدك لتنفيذ مهمة معينة ثم سترجع إلي مكانك الحقيقي‘ككائن فضائي من كوكب أخر بُعث لتنفيذ مهمة معينة ‘ فأنت هنا لتجميع معلومات عما تراه حولك ‘ لتخزنه في ذاكرتك الداخلية حتي تحتاجه وتتعامل مع ما لديك من معلومات ‘ فأنت فقط تتحاور مع الخالق ‘فتقرأ قرانه وتشعر بعظمته وإجلاله وتري إبداعه في ما حولك من مخلوقات وتناجيه سراً بما تتمني وتحدثه بما فُعل فيك وترفضه ‘فهو من بيده ملكوت السماوات والارض ‘فهو من يستحق أن تسجد له وتبكي خوفاً وحباً في ان واحد فهو الله ! وكفي
لذا في نهاية كل يوم تستشعر سعاد كل هذه التجليات والمعني الخفي وراء سعيها الدؤب هو انها تبتعد مهرولة عما يلصقه بها الاثمون من أفعال وأقوال علي لسانهم وفي نظرتهم ويتهامسون بها فيما بينهم خفية أو يجهرون بالقول امامها لعلها تثور في وجههم وتمزق بأسنانها افواههم وعيونهم التي تنهشها كل يوم ‘ولكنها تترفع عنهم بالتجاهل التام ‘كأنهم تماثيل وهي تمرق بجانبها فقط ‘
لا تعتقد أني اتكلم عن شخصية خيالية اقرب للملائكة منها لبنو البشر ولكن الانسان خُلق من طين مزيج من ان يكون ملاك من نور او يكون شيطان من نار ‘لذا سعاد اختارت أن تقترب بصفاتها من الملائكية حتي تنال رضا الله‘ ولكنها ليست متهاونة في حقها ‘فهي كما قلنا تقيم عدالتها الخاصة علي الواقع لتأخذ حقها ممن يريد أن يبخسه‘ لذا فالشدة والحزم والعقاب دائما مطلوب حتي تنال حقك .