شعر وحكاياتعام
قراءة نقدية للاديب د.عبدالكريم بعلبكي في قصيدة “الوداع” للشاعر د. محمد حرب الرمحي .
الوداع …
لمحمد حرب الرمحي
قلتُ الوداعَ وما أردتُ رحيلا
قَدَرٌ رماني للفراقِ سبيلا
أدمنتُ قُربَكِ منزلاً للِقائنا
في موعِدٍ للعَاشِقَينِ نزيلا
أنَّى تكوني، مُهجتي يَمْمتُها
وحمامُ شِعري حيثُ أنتِ، هَديلا
كيفَ أرتضيتِ ليَّ الوداعَ ومهجتي
طفلٌ ينامُ على السريرِ خجولا
يا ويحَ قلبُكِ، كيفَ هانَ بهِ الهوى
ورمى فؤادي للرحيلِ قتيلا
وهو الذي حَمَلَ الهوى في خفةٍ
لكنْ ! على حِملِ الجبالِ ثقيلا
لو وزّعوهُ على قلوبِ العاشقينْ
لكَفى، وقلتُ عليكِ أنتِ قليلا
عجباً يكونُ مع الوفاءِ خيانةً
والبُعدُ عن قُربِ الحبيبِ بديلا
أنسيتِ شِعري في هواكِ قداسةً
وسموِ حبِّكِ، في الغرامِ جليلا
انسيتِ شوقاً كانَ يجمعُ بيننا
والشوقُ ما بينَ القلوبِ رسولا
لولاهُ جسمُكِ ما استحالَ للوحةٍ
أبداً ولا رَسَمَتْ يداهُ خيولا
لولاهُ صدرُكِ ما استدارَ حبيبتي
والخصرُ ما فاضتْ مياهُهُ نيلا
لولاهُ ثغرُكِ ما استجابَ لقُبلَةٍ
وتعلَّمَت من ثغرهِ التقبيلا
لولايَ ما كنتِ الجميلة، حلوتي
ما كانَ وجهُكِ في العيونِ جميلا
لا العطرُ سالَ على يديكِ، ولا الندى
في نشوةٍ، سكنَ الخدودَ أسيلا
سأعودُ مع شِعري، وأرحلُ عاشقاً
فخذي هواكِ إلى الردى مقتولا
لا عاشَ حبي دونَ أيِّ كرامةٍ
لا عشتُ إن ما عشتُ فيهِ ذليلا
#محمد_حرب_الرمحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاعر محمد حرب الرمحي يتطرأ الى موضوع، لطالما شغل لواعج الناس أحبة وأصدقاء وزملاء .. “الوداع” حتى قيل : لا تقل وداعا بل قل الى اللقاء ، الا أننا اليوم أمام نشاط لغوي، تتحقق فيه وظائف اللغة الثلاث : الوظيفة المرجعية كحالة إنسانية بحته ، والوظيفة الايديولوجيه ، والوظيفة الشعرية من حيث البناء والأسلوب والمضمون واللغة ، وهنا أفاض الرمحي وأبدع في توظيف أدواته لباتت غير منفصمة بل مندغمة، استطاع أن يبرز تكاملها عبر تفاعل جميع مستوياتها وعناصرها المكونة لإبداع مأدبة مفعمة بالعشق والحب والفراق والوداع واللوعة والشغف كما ورد في أغلب أبيات القصيدة :
انسيتِ شوقاً كانَ يجمعُ بيننا
والشوقُ ما بينَ القلوبِ رسولا
لولاهُ جسمُكِ ما استحالَ للوحةٍ
أبداً ولا رَسَمَتْ يداهُ خيولا
لولاهُ صدرُكِ ما استدارَ حبيبتي
والخصرُ ما فاضتْ مياهُهُ نيلا
لولاهُ ثغرُكِ ما استجابَ لقُبلَةٍ
وتعلَّمَت من ثغرهِ التقبيلا
لولايَ ما كنتِ الجميلة، حلوتي
ما كانَ وجهُكِ في العيونِ جميلا
***
ان مظاهر الشغف والتوق التي تصاحب الشاعر في بنيانه الفني ليست فقط حالة تصويرية وإنما حالة حسية لهذا الانسان بطبيعته ، هذا الانسان الذي آمن حتى كفر بالحب، واستسلم حتى ألحد بالانتماء، وغرق حتى كفر بضعفه أمام هول الوداع المؤلم والفراق المميت القاتل لفؤاده الصادق حتى اللعنة، وهنا أيضا يكمن ذكاء الشاعر الانسان الصادق الرسام المحترف الذي رقش أحاسيسة بحروف من معاناته ونحتها بمشاعر من لهب فصهرها في نص استطاع فيه الرمحي تفكيك شيفراته بتوارده الذي قام على قدسية الحالة النفسية الانسانية التي خرجت بلباس إيقاعي مموسق جميل، سال عطره أمام احداقنا ابداعا في نشوة التكوين الصوري التصويري ليخلق ايقاعا في سياق النبر اللغوي حتى عكس مؤثرات روحه وفكره وثقافته فكرس هويته الشعرية وراء إنجاز القصيدة .
لا العطرُ سالَ على يديكِ، ولا الندى
في نشوةٍ، سكنَ الخدودَ أسيلا
سأعودُ مع شِعري، وأرحلُ عاشقاً
فخذي هواكِ إلى الردى مقتولا
لا عاشَ حبي دونَ أيِّ كرامةٍ
لا عشتُ إن ما عشتُ فيهِ ذليلا