كتبت نجوى السيسي
ربما يعتقد البعض أنى أخطأت العنوان ولكن فى الحقيقة إنى أقصده تماما، فنحن نتحدث كثيرا عن عقوق اﻷبناء للوالدين ولا ندرى أن البعض منهم هم المنتج النهائى لعقوق الوالدين بأبنائهم. فإذا أردنا إصلاح اﻷبناء فعلينا بإصلاح الآباء أولا كى تكون المحصلة النهائية هى إصلاح أمه بأكملها.
وتتعدد صور عقوق الوالدين ﻷبنائهم ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– التفرقة فى المعاملة بين اﻷبناء مما يثير الشحناء والكراهية فيما بينهم.
– عدم توفير الحياة الكريمة للأبناء فى حدود الإمكانيات المتاحة طبعا.
– الاعتقاد الخاطئ بأن دور الآباء محصور فى توفير الطعام والشراب فقط وأن اﻷبناء ليس لهم أى حقوق أخرى.
– عدم إحترام آراء اﻷبناء والسخرية منهم وعدم التحاور معهم.
– فرض الرأى فى أمر معين يخص اﻷبناء دون إقناعهم.
– التشدد فى التعامل مع اﻷبناء خصوصا فيما يتعلق بأمور الدين مما يجعلهم ينفرون من دينهم .
– الضرب المبرح أو الحبس فى غرف مغلقة لفترات.
وعقوق الوالدين ﻷبنائهم هي صفة مخالفة للفطرة التي فطر الله الناس عليها، حيث أنه مثلما للآباء على اﻷبناء حقوق فاﻷبناء أيضا لهم حقوق على الآباء.
وعن حقوق اﻷبناء على الآباء يرى فضيلة الشيخ دكتور سالم عبد الجليل (وكيل وزارة اﻷوقاف اﻷسبق) أن أول حق للأبناء أن يختار اﻷب الأم الصالحة للأبناء، الصالحة بيئة وأخلاقيا واجتماعيا
ثم يلى ذلك أن يوفر اﻷب للزوجة فى وقت حملها الرعاية الطبية المناسبة ﻷن هذا يعود بالسلب على الجنين ثم يوفر لها الحالة الاجتماعية والنفسية المناسبة والانفاق الذى تريده حتى يكون هذا المولود سويا.
وإذا ولد هذا المولود فعلى اﻷب أن يختار له اسما يفتخر به أمام الناس ويعمل له العقيقة وأن يحسن إلى أمه ويوفر لها ما تحتاجه من رعاية حتى لا يؤثر التقصير على هذا الرضيع. وإذا لم تستطع اﻷم رضاعة طفلها فعلى اﻷب أن يوفر مرضعة أو اللبن الصناعى الذى يقيم جسده.
وإذا كبر هذا المولود فمن حقوقه أيضا أن يتوجه به الوالدين إلى المدارس والتعليم مما يجعل الولد سويا. وأول من يجنى الثمرة فى ذلك هو الأب واﻷم في البر والمعروف.
وعن رأي الدين فى عقوق الآباء بأبنائهم يقول د.سالم عبد الجليل “إن العقوق كله من الكبائر سواء نحن نتكلم عن عقوق الآباء لأبنائهم أو عقوق اﻷبناء لآبائهم. والله تعالى قارن بين البر وبين عبادته سبحانه وتعالى فقال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”
ويرى د.عبدالجليل أن عقوق الآباء ﻷبنائهم هو أهم سبب لعقوق الأبناء لوالديهم , تقصير الوالدين هو أهم سبب فى عقوقهما بعد ذلك.
مثال ذلك، جاء رجل إلى سيدنا عمر يقول له ابني يعقني , فقال له الولد: يا أمير المؤمنين سله، إنه قد أساء إلى فى ثلاث:
لم يختر لى أما صالحة، اختار أمه فعايرنى اﻷولاد ولم أستطع رفع رأسى مع أصحابي ومع الجيران.
ولم يختر لي اسما حسنا
ولم يعلمني أو يؤدبنى
فقال له عمر: لقد عققته قبل أن يعقك.
أما عن اﻷسباب اﻷخرى للعقوق فهى ضعف البيئة وعدم التدين وعدم التعليم وما شابه، بالإضافة إلى الإعلام الذى يعرض فى بعض برامجه والدراما تقدم الصورة السلبية للذين يقومون بعقوق الوالدين فيتم التقليد.
وعن طريقة التعامل مع اﻷبناء يقول د.سالم عبد الجليل بخصوص الحرص الزائد عن الحد من الآباء على أبنائهم “إن الحرص الزائد عن الحد يأتى بنتائج عكسية، ولا يجوز أن نزايد أو نبالغ فى حرصنا بالتضييق على اﻷبناء فيأتي يوم من اﻷيام فيكسروا الحواجز ويخرجوا عن الطوع وعن الطوق ويفجروا. وإن الحرص يجب أن يكون وسطا وألا يكون فيه نوع من الإفراط. لا نمنع ولا نقيد الحرية ولكن باعتدال وعدم التطرف والمبالغة”.
ويضيف د.عبدالجليل عن طريقة التعامل مع اﻷبناء بخصوص حدود خصوصية اﻷبناء فيقول: “إن المثل يقول إن كبر ابنك خاويه. يعنى نصاحبه ويرشده وينصحه ولكن لا أراقب تليفونه المحمول وأذكر برقابة ربنا، ولا نمشى وراءه وهو ذاهب إلى الجامعة إلا إذا كان هناك دلائل واضحة على خلل ظهر مثل بدأت تظهر مؤشرات على جسده أو فى سلوكه أنه يتعاطى مخدر مثلا ففى هذه الحالة أراقبه حتى أحميه من هذا الخطر. ولكن إذا لم يكن لدي شك فلا داعي إلى أن تنتهك خصوصيته”.
وعن الحوادث اﻷخيرة فى مصر من إلقاء أم ﻷبنائها فى الشارع أو قتل أب لأبنائه أو تعذيبهم يقول د.سالم عبد الجليل “إن هذه الحوادث ليست مجرد عقوق وإنما حوادث تنم عن عدم إنسانية فى النفوس والقلوب، فحتى الحيوان يحافظ على أبنائه ويوفر لهم كل سبل الحماية. فهذه الحوادث ليست عقوق عادى وإنما فوق مستوى الجريمة. وهى تنم عن خلل نفسى ويجب أن يدرس علماء النفس هذه الحالات ليعرفوا ماذا أوصلهم لهذا الحد.
ويصدق في هذه الحالات قوله تعالى: “أم تحسبوا أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم كاﻷنعام بل هم أضل”
إقرأ المزيد لا أمل بالإنجاب أريد حلا
وأخيرا يوجه فضيلة الشيخ دكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة اﻷوقاف اﻷسبق نصيحة للآباء قائلا: “اتقوا الله فى أبنائكم ﻷنهم أمانة بين أيديكم فاحرصوا على الإحسان إليهم، و تقربوا إلى الله بتربيتهم تربية حسنة، و إعلموا أن كل قرش تنفقونه في تربيتهم و إصلاحهم وتهذيبهم وتعليمهم وتثقيفهم وتطبيبهم إذا مرضوا لا قدر الله هو من درب الجهاد فى سبيل الله، بل فى أعلى درجات النفقة فى سبيل الله.
وللأبناء إتقوا الله فى آبائكم وأمهاتكم والإحسان إليهم ورعايتهم وخصوصا إذا كبروا فى السن. والإحسان إليهم والبر بهم هو واجب أوجبه الله سبحانه وتعالى ليس رد فعل إحسانهم لنا ولكنه واجب منفصل أوجبه الله كما أوجب العبادة. قال تعالى: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”.
نحسن إليهم ونتقى الله فيهم ونحتسب اﻷجر عند الله تعالى سواء أحسنوا للأبناء أم لا فقد قال الله تعالى: “وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا”