مريم التهامي
عادتي عندما يجذبني مسلسل ما أن أتابع حلقاته كاملة فلستُ أحد أولئك الذين يفضلون الحصول على النهاية في أسرع وقت ممكن بل أُفضل الإستمتاع بمتابعة السرد في الأعمال الفنية.
كذلك لستُ من هواة مشاهدة الأعمال الفنية التي تُصنف تحت بند الرعب وخاصة تلك الأعمال الفنية العربية التي تتحدث عن الجن والعفاريت والتي يستطيع البطل أو إحدى الشخصيات المقربة منه في النهاية التخلص منها بقراءة القرآن الكريم . حتى وجدت مسلسل الكبريت الأحمر بطولة الفنان أحمد السعدني ،والفنانة ريهام حجاج ،والفنان هاني عادل ،والفنانة داليا مصطفى ،والفنان عبدالعزيز مخيون ،وإخراج كلًا من سيف يوسف ،و أحمد عصام الشماع .
يدور البطل معتز سليمان “الفنان أحمد السعدني”صاحب المال والسلطة والجاه في متاهة شمس المعز محمود “الفنان عبد العزيز مخيون”الذي يَدعي القوة والمعرفة بعلم سليمان -عليه السلام- فيصدقه الكثيرين أمثال سندس”الفنانة ريهام حجاج” تلك الفتاة البسيطة التي لا تملك من العلم إلا استطاعتها القراءة والكتابة ،و التي تصدق كل ما يقوله شمس وغيره من أمثال كدية الزار أبله حسنات” الفنانة جليلة محمود” والتي تلجأ إليها سندس لتعالج ابنتها قمر “الطفلة هنا الأنصاري” تلك الفتاة التي لا تتحدث إلا نادرًا ، فقال أغلب مشاهدي المسلسل أنها تعاني من التوحد ،بينما نجد والدتها سندس ترفض عرضها على أحد الأطباء النفسيين لقصر ذات اليد، ولقولها “الدكاتره بيدوها حبوب تبلبعها و تتعب بطنها”.. و نجدها تذهب للصيدلي ليعطيها دواء للمعدة لأنها وضعت تحويجة أعطتها إياها أبلة حسنات في الماء وسقتها لابنتها !
نجد الجميع في المسلسل ينصحون بعضهم البعض بقراءة القرآن الكريم والذكر ليحصنهم ،حتى البابا نصح جرمين “الفنانة داليا مصطفى” بأن تتحصن بذكر الرب ،أيضًا نجد كدية الزار أبلة حسنات تنصح البطل معتز بقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين وسورةالبقرة ، وسندس تدعو الله وتقرأ القرآن وتؤمن بالزار وبركة أبلة حسنات وقدرة شمس !
كذلك يظهر في المسلسل شخصيات كشخصية الست صفية “الفنانة رباب ممتاز” الغير متعلمة جارة سندس وصديقتها فنراها تقول لسندس عن شمس : “يا أختي مابصدقش في الحاجات دي خالص ،ما الدنيا قدامنا اهي لا فيها المستخبي ولا المسطور .. شمس ده نصاب هو بيعمل إيه يعني ،طب ما الحاوي بيطلع بيضة من ودنه ،لا بيقولوا عليه شيخ ولا مخاوي .. “
فيظهر تصوير المزج بين إيمان جميع الطوائف والفئات في المجتمع المصري ببراعة متقنة لم يسبق لي مشاهدة مثيل لها .
يأتي المهندس صابر” الفنان هاني عادل/حازم سمير “صاحب الثقافة الواسعة ليوازن بين الكفتين فيثقل جانب العقل والمنطق فيشرح ويحلل لصديقه معتز كل المواقف اللامنطقية التي تحدث له ويربطها بأفكار علمية وحجج منطقية . ففي حين يقول شمس أن بإمكانه أن يَحضر في أي مكان في طرفة عين فخدامه من الجنّ والعفاريت يستطيعون فعل ذلك له بسهولة، فهو يمتلك من علم سليمان – عليه السلام – ما يمكنه من ذلك ،يرد عليه المهندس صابر قائلًا :
“لكن يا شيخ شمس الذي عنده علم من الكتاب هو إللي قال لسيدنا سليمان – عليه السلام -(آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ) و العفريت من الجنّ قال : (آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ) .
اعتقد -عن نفسي- أن علم سليمان – عليه السلام – لم ولن يُأتى لأحد من بعده لقوله تعالى في كتابه العزيز على لسان سليمان -عليه السلام- : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) سورة ص (35)
وقيل في تفسير الآية : كان ملكاً عظيماً ،فخاف أن يُعطى مثله أحد ،فلا يحافظ على حدود الله فيه ،كما قالت الملائكة : ( أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك) سورة البقرة (30)
يستمر الصراع الذي يعيشه البطل معتز سليمان بين الوهم والخرافة المترسخان في نفوس الكثيرين من حوله وبين العقل والمنطق في القرن الواحد والعشرين عصر ثورة التكنولوجيا والعلم والفكر ، وينتهي الجزء الثاني “الكارما” من المسلسل بكشف الستَار عن كل ما كان غامضًا في حوار البطل معتز سليمان “الفنان أحمد السعدني” و الجنية عيشة قنديشة “الفنانة سيمون” :
– أنا إللي خليت شمس يحضر الجنية عيشة قنديشة بصورتي و شكلي .
= يعني أنتِ مش عيشة قنديشة ؟!
– إللي كانت بتقابلك في العربية و في بيتي و بيتك دي أنا ،لكن إللي كُنت بتشوفها وبتسمعها في كل حته وفي أي مكان دي مش أنا ، دي جنية.. زي مابيقول شمس .
إنما أنا بقول : إللي بتدور عليه بيدور عليك ،الإنس والجن موجودين ،أنتَ إللي بتختار لو هلاوس تبقى هلاوس ولو جنّ يبقى جنّ .
= يعني عيشة قنديشة إللي حضرها شمس موجودة ولا مش موجودة ؟
– حسب إيمانك ،لو أنت مأمن إن هي موجودة تبقى موجودة ،وماتخفش .. زي ما فيه ناس عندنا في المغرب بيخافوا منها ، فيه ناس بيعتبروها جنّية طيبة بتجيب حقوق الناس و بتاخد كارمتهم .
= ماشي .. طالما الموضوع بقى اختيار ،أنا هختار إنها مش جنّية ،هختار إني كنت بشوف هلاوس ،وهقول إن شمس ده كداب ونصاب ،وبكده تبقى كارمتي خلصت خلاص .
نرى في المشهد التالي وهو مشهد سبوع ابن معتز و سندس الفنانة سيمون بشخصية عيشة قنديشة تظهر لمعتز سليمان … و يستمر الغموض والحيرة بين الوهم والخرافة والعقل والمنطق .
