بقلم:
رانيا عايد الرباط
لا يخفي علي أحد ما أثاره فستان إحدى الفنانات في الحفل الختامى لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى من جدل، وللحق لقد حاولت مراراً وتكراراً إيجاد تفسير منطقي لتبرير إختيار الفنانة لهذا الفستان بعد عدم أقتناعى بتبريرها إلا أننى لم أجد؛ إلا أن الأمر يحمل في طياته ما هو أبعد وأعمق من ذلك ؛ فمثل ذلك الفستان المكشوف قد كشف العديد من عورات مجتمعنا التى أصبحنا نعرضها ونتباهى بها ولا نخجل منها لتصيغ مجتمعاً مشوهاً نفسياً وأخلاقياً في النهاية وفي حاجة ماسة لعلاج سريع قبل أستفحال الأمر أكثر من ذلك. منذ سنوات مضت كان كل منا يعرف نقيصته ويحاول إخفائها والتجمل كذباً بنكرانها فكنا نجد المسئول المرتشي يتغنى بالشرف والأمانة ونجم المجتمع الضحل ثقافياً يحاول التظاهر زيفاً بالثقافة والراقصة تتباهى بأن علاقتها عامرة مع الله ؛وقد كانت تلك الأفعال هى أول خطوة في طريق الأنحدار الذى نمشيه الآن متناسين زمناً كان يقف فيه المبدعون والمثقفون خلف الستار لصياغة ممثلة وتعليمها كيفية النطق واللغة وآليات الحوار وقواعد السير والأنضباط قبل أن يتم تقديمها للجمهور الذي لا يلبث أن يعشقها فور رؤيتها فقد صيغت كماسة متلألئة تخطف القلوب والأبصار لتكون قدوة يحاكيها مجتمعاً بأكمله بدءاً من خط موضة ملابسها وتسريحة شعرها حتى طريقة ضحكاتها وصياغة الكلمات في حوارها. لكن أحد مطالب ٢٥ يناير كانت الحرية التى تشدق بها الجميع وأخفقوا في تطبيقها بسبب نقص وجهل وعدم ممارسة ؛ فجاء الحصاد كما نراه الآن في ظل غياب لأساتذة علم النفس والأجتماع فنجد أن الحرية التى كانت محددة سابقاً في جملة ( أنت حر ما لم تضر ) تبتر ليجاهر الجميع بأنهم أحرار فقط بعيداً عن حق المجتمع في عدم الإيذاء جراء ممارسة الآخرين للحرية التى أظهرت عواراً فكرياً وضحالة ثقافية وتدنى أخلاقياً كان مستوراً فرفع عنه الغطاء ؛ لنجد أن الفن لم يعد قيمة أو سمو روحى بل أختزل في مفاتن نساء تتصارعن علي إظهار من منهن الأجرأ في كشف أكبر قدر من جسدها بإعتبارها ( وكما جاء علي لسان الفنانة ) واجهة لمصر!!! في مؤتمر دولي ينتهى به الأمر بنشر صور الفنانات وتحليل ملابسهم دون التعرض لتقييم فكرة ورسالة فيلم واحد مما ضمه المهرجان من أفلام وذلك في فضاء السوشيال ميديا التى تلعب دور المرآة التى يقف أمامها المجتمع مجرداً من كل قيمة معلياً من السلبيات ممجداً لظواهر تدعى أنها فنية كحمو بيكا ومجدى شطا لتبث خلايا سرطانية أصابت جسد مجتمعنا الذى أوشك توافهه علي كتابة شهادة وفاته . قوة أفتراضية شريرة سجنتنا جميعا داخلها بعد أن أدمنا جرعاتها فسيطرت علينا وبمعوالها تحطمنا عقلياً ،علمياً،فكريا، نفسياً وحضاريا؛ وتحت تأثير المخدر نلعب كل الأدوار فنتفرغ لكشف عورات الناس وفضح عيوبهم في محاولة يائسة لإثبات أننا الأفضل وفي تبرير عاجز لفشلنا في أن ننجح فنرتدى عباءة رجل الدين تارة لنوعظ وكلنا خطايا وننسي أننا بشر فنظن أننا خزنة الجنة والنار فنوزع صكوكا بالرحمة مرة وبالإدانه مرة أخرى. ننشغل بأمور الجميع ونتدخل في شئونهم حتى ننسي شأننا !!!
بركان ثار فأخرج ما في جوف مجتمعنا ؛حمم مشتعلة بإنعدام قيمها تحرقنا وتشوهنا ؛ ضجيج صراخنا وغوغائيتنا يصم آذاننا ؛ حالة من التخبط تضربنا فلا نستطيع أن نحدد من منا يستحق أن يكون الواجهة!!!
للمزيد
“نجيب محفوظ”فلسفة الحياة و الإنسانية
للمزيد
“نجيب محفوظ”فلسفة الحياة و الإنسانية