كتبت
علا السنجري
الفنانة كريمة مختار في ذكرى وفاتها ،تشبه الأم المصرية العادية التي تراها وتقابلها كل يوم ، هذا الجمال الشرقي ، فهي صاحبة الوجه الملائكي والصوت الدافئ والضحكة الصافية والنظرة المشعة بالحنان التي تصدر الدفء والأمومة على الشاشة، اخترقت القلوب ورسمت صورتها في الذاكرة، فهي من الفنانين القلائل الذين استطاعوا ترسيخ صورة ذهنية عنهم لدى المشاهد لدرجة حوّلت الواقع الافتراضي الذي يحدث على الشاشة لصورة حقيقية يصدقها الناس، لتصبح “الأم الافتراضية للمصريين” كما وصفها الناقد طارق الشناوي، إذ قدمت دور الأم على مدار مسيرتها الفنية التي امتدت لخمسين عاماً.
كريمة مختار امتلكت نوع خاص من الجمال ، وجه بسيط يحمل من البراءة والقبول ، ما يلهم رسامي البورتريه لتقديمه كرمز للأمومة ، صنعت دمية لها و بورتريهات تباع كهدايا في عيد الأم بعد نجاحها في أداء شخصية “ماما نونا” ليصبح اللقب المفضل لها، كما أن تعبيرات وجهها تستطيع أن تجسد أقصى درجات الألم والحزن التي تعصر القلوب، وكذلك تستطيع أن تقدم كوميديا .
للمزيد
شخصية الأم لا تكاد تخلو من وجودها في أي قصة، هذه الشخصية الواقعية لها كاريزما وجاذبية خاصة، مما جعلها فنانة غير قابلة للتصنيف، إذ قدمت الأعمال الكوميدية من خلال “زينب” الأم شديدة الطيبة التي تحاول استعادة زوجها قبل أن يهجر البيت في إطار كوميدي شيق في مسرحية “العيال كبرت”، و”كريمة” في “يارب ولد”، و”زينب” في فيلم “الحفيد” على نفس الشاكلة، وقدمت التراجيديا من خلال الأم التي اعتقلها الاحتلال الإنجليزي يعتصر قلبها خوفاً على طفليها الذين تركتهما بالمنزل في أول أدوارها السينمائية، و”أم محمود” التي تقاسي من عقوق ابنها لها ولوالده في فيلم “وبالوالدين إحساناً”، و”كرامات” السيدة الصالحة التي تتولى تربية سعد اليتيم بعد مقتل أبيه على يد عمه، “أم حمدي” في فيلم ” نحن لا نزرع الشوك”، وغيرها من الأدوار الخالدة التي قدمتها على مدار نصف قرن، بالإضافة إلى دور أم سيدنا موسى الذي وصفته بأحب الأدوار إلى قلبها حيث نال إعجاب والدها رغم رفضه لعملها بالتمثيل فكان سبباً للصلح بينهما.
ماما نونة” ودعت جمهورها قائلة : “لقد أديت رسالتي وليس في حياتي ما أخجل منه أو يزعجني”.
ولدت كريمة مختار، أو عطيات محمد البدري، في القاهرة، لكن أصولها تعود لمحافظة أسيوط، تخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية، بدرجة البكالوريوس.
عملت بالإذاعة، لفترة طويلة بعد أن رفضت أسرتها دخولها مجال السينما، خصوصًا أن شقيقتها هي الإذاعية الشهيرة عواطف البدري، كانت بدايتها مع برنامج الأطفال “بابا شارو”، اشتهرت بصوت إذاعي يجيد تقديم الأعمال الدرامية، ومن أشهر مسلسلاتها الإذاعية، “أدهم الشرقاوي”، و”أبو الحسن العبيط”، و”اوعى لعقلك”، و”الأستاذ حلياط”، و”بنات الأصول”، و”المليونير الفقير”، و”النافذة المغلقة”، و”العسل المُرّ”.
كريمة مختار تزوجت من المخرج نور الدمرداش عام 1958، ساعدها على اقتحام عالم التمثيل فيلم “المستحيل” مع الموسيقار محمد عبدالوهاب، ونادية لطفي، وكمال الشناوي، عام 1965، ثم “ثمن الحرية” مع الراحل محمود مرسي، والمخرج حسين كمال، عام 1967.
تزوجت نور الدمرادش و لها 4 أبناء، هم شريف يعمل مهندس، وأحمد مخرج، وهبة والإعلامي معتز الدمرداش، إلا أنها كات أم لأغلب الفنانين، فبكى نقيب الممثلين الفنان أشرف ذكي عقب علمه خبر وفاتها، قائلا: “ماتت أمي التي كانت تهتم بهمومنا وأوجاعنا كممثلين”.
كريمة مختار شاركت ، الكثيرين الفنانين في بداية أدوارهم الفنية، وكان أبرزهم الفنان الراحل ممدوح عبدالعليم الذي لعب معها أول دور له وهو طفل في “الجنة العذراء”، خلدت اسمها الفني في دورها في مسرحية “العيال كبرت” ، واستمرت الأخيرة في تقديم الدور لمدة 3 سنوات، التي تم تسجيلها لتكون على مدار سنوات عدة ما يعرف به الكثيرين “مسرحية العيد”، التي تجمع الأسرة حول التليفزيون.
للمزيد
كونت ثنائي فني مع الفنان فريد شوقي، جسدت هي دور الأم وهو دور الأب في عدد كبير من الأعمال الفنية، الأفلام والمسلسلات، منها “البخيل وأنا”، و”يارب ولد”، و”وبالوالدين إحسانا”، “وتمضي الأيام”، و”رجل فقد عقله”.
كريمة مختار لم تكن مرشحة للدور في فيلم “الحفيد”، الذي يعتبر من أشهر الأفلام الاجتماعية في السينما المصرية، إلا أن مشهد تسبب في اعتذار الفنانة إحسان القلعاوي، التي اعتبرته “غير لائق”، فذهب الدور لكريمة لتقف أمام الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولي عام 1974.
كريمة مختار شاركت بـ190 عملا، بين أفلام سينمائية مثل: أميرة حبي أنا، وتمضي الأيام، الجبابرة، عريس لفاطمة، آباء وأبناء، سعد اليتيم، مضى قطار العمر، والفرح ، وساعة ونص، مسلسلات منها دوامة الحياة، زهرة وأزواجها الخمسة، والمرافعة ودلع بنات، وكيد الحموات، والقاهرة والناس، و مسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة، إلى جانب عدد من المسرحيات، أهمها: بداية ونهاية،، والعيال كبرت، وميرامار.
للمزيد
كريمة مختار حفرت اسمها في أذهان الجيل الجديد، من خلال “ماما نونا” في مسلسل “يتربى في عزو”، نتيجة حنانها وتدليلها المبالغ فيه لابنها حمادة الذي جسد شخصيته الفنان يحيى الفخراني، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في مسلسل “يتربى في عزو” من مهرجان القاهرة للإعلام العربي الثالث عشر عام 2007، بالإضافة إلى درع التكريم من مهرجان أوسكار السينما المصرية عام 2008.
“آه يقطعني يبقى الواد زعل مني لما قولتله إن دواء السكر خلص.. مانا قاعدة يا بني من غير دواء بقالي مدة، يقطعني يا ريتي ما قولتلك يا عبده يا حبيبي يا بني، أنت فين بس، ده محدش في البلد دي يعرفه غيري، ده أنا اللي بغسله هدومه، خرجت هذه الكلمات منها إلى قلوب المشاهدين الذين خانتهم دموعهم أمام مشهد برعت في تجسيد الأم التي دائمًا ما تسعى للاطمئنان على أبنائها، رغم أن ابنها في الفيلم وضعها في القطار مع رسالة أن من يجدها عليه أن يضعها في إحدى دور المسنين، ليجدها كمسري القطار الذي يحاول أن يخبرها بحقيقة ما فعله ابنها، في تبرر موقفه.