قاسية صفعة الأيام
بقلم د. غادة فتحي الدجوي
هذه الوريقة مؤلمة جدا بالنسبة لى و لكنى أحببت أن أشارككم أحد قطارات رحلة حياتي، ربما أول خطوة في رحلة الحياة كنت في عمر السادسة عشر، و جاءتني منحة دراسية مخفضة لدراسة الإنجليزي و الكمبيوتر في مركز في وسط البلد، فرحت جدا و رحب والدي رحمة الله عليه بالفكرة رغم ان خروجي كان محدودا و لا أعلم اَي شيء عن المواصلات، لكن قال لي ان على ناصية الشارع محطة الأتوبيس و يقف عليها أتوبيس ٢٥٠ إلي العتبة و أخذه من العتبة و علمني الطريق بالفعل، و بدأت الرحلة و كان بالفصل حوالي ٤٠ شابا و شابة ، و لدينا فاصل ساعتان بين محاضرة الكمبيوتر و محاضرة الإنجليزي فانزل أتناول بعض الطعام و أعود، و كان هناك شابان أصغر مني تقريبا بعام واحد، يقفان في محاولة للتحدث معي و تعرفت على زميلتين و أصبحنا نتحرك سويا، و لصغر سنى تخيلت انهما يقومان بمعاكستنا، فاشتكيتهم للإدارة فحافظا و اعتذرا و قالا نحن نحترمكم و نود ان نكون أصدقاء، و لأن أبي كان شديد التنبيه علينا أن لا نتكلم مع اَي شخص خارج المنزل، رجعت إلي أبي و حكيت له ما حدث، فقال أبي” أعزميهم عندنا في البيت علشان أتعرف عليهم” فعزمت الأربعة و جلس ابي معنا و قامت أمي بعمل الواجب و الضيافة للجميع، و بعدما غادروا قال ابي أنهم محترمون ” و معنديش مانع من صداقة محترمة و أنا واثق فيكي” ، و قاموا بعدها بدعوتنا إلي منازلهم حيث أنهم جيران من العباسية فذهبت أنا و أمي و زورنا العائلتين، و صارت صداقة في الحلو و المر و مرت سنوات دراسة و زواج و تزوجوا و حضرت زيجاتهم و حضروا زواجي و كانت صداقة عائلية و كان والد احدهم صاحب محلات أدوات منزلية بالأزهر و الٱخر صاحب محلات قماش بالأزهر و لكنهما يدرسان و يعملان في التجارة حتي بعد الوظيفة… و مرت سنون و سافرت للعمل بالإمارات بعد الدكتوراه و داومنا علي الاتصال حتي توفى أخي رحمة الله عليه… و رجعت لأحضر العزاء و لم يأتي صديقاي… و لم يتصلا… وكانت حالتي صعبة و شعرت بعد أخي حقا بأن يمينى كسرت، و سافرت و بعد شهور عاود أحد الصديقين الاتصال بي و أنه ٱسف لعدم العزاء و أنهم لم يأتيا بيت أخي لعلمهم بسفري، لكني في هذه الفترة كنت قررت أن لا أعاود الحديث مع اَي شخص كنت أكن له مكانة و لم أره في عزاء أخي مهما كان . فلا يهمني أن تكون في فرحي و لكن كنت أظنكم بدلا مني في غيابي و هذا ما قلته بالضبط و رغم أني متسامحة مع كل العالم مهما أخطأوا بحقي و لكن كنت غير متسامحة علي الإطلاق مع من لم يهتم بوفاة أخي الوحيد لعلم الجميع بمكانته في حياتي…
و مرت الأيام و في شهر اكتوبر عاود صديقي الاتصال مرة أخري و لم أجبه و قلت له عندما استطيع التحدث إليك و قلبي متسامح سأتصل بك، و لم يعاود صديقي الاتصال مرة أخري…
و ليلة امس كنت عند أمي كعادتي كل أسبوع في نهاية الأسبوع و كانت تريد شراء بعض الأشياء من الأزهر فقلت اذهب انا و أختي الصغيرة بالتأكيد حتي نتفادى تعب ان نجد مكان الجراج ، و كان الوقت ممطرا و الجو باردا لكننا أكملنا الرحلة و في الطريق سالتني اختي عن صديقي” مكلمكيش تاني” قلت لا و لكن سنمر من أمام المحل ربما نراه ” أديله كلمتين في جنابه و خلاص بقى ” و في رحلة الشراء وقفنا بالقرب من المحل و كنّا نشتري شيئا من أحد الباعة و اعطي لنا سعرا عاليا فقلت لن نشتري من عندك سنشتري من عند “عبدالله” فرد البائع ” الله يرحمه” فقمت بإعادة السؤال فقال نعم ابن الحاج شعبان لقد حزن كل السوق عليه و قد توفى في شهر اكتوبر، فارتجف جسدي و جريت و أختي خلفي و البائع لمحل الحاج شعبان و رٱني أخوه و بالطبع من وجهي علم انني عرفت الخبر الٱن وجلست و جسدي كله يرتجف، فحاول تهدئتي و حكى لى انه توفي في هدوء ليلا و هو جالس أمام التليفزيون …
حاولت النهوض لكن جسدي كان منهكا من الخبر و إذا بوالد عبدالله أمامي فارتميت عليه لأبكى و أبكي و هو يهدئني و يقول لي أمر الله و يحكي لي عن أحواله قبل رحيله…. و لم استطع أن أجلس فمشيت إلي بيت أمي التي صعقها الخبر ثم أكملت الرحلة الي بيتي و علي مدار الطريق تذكرت الرحلة ٣٠ نعم ثلاثون عاما مروا أمام عينى من اول لقاء الي ٱخر كلمة ٣ اكتوبر قبل رحيله بأيام قليلة و ضحكاتنا و دموعنا و جلساتنا في بيوتنا و خروجنا و سفرنا… و وصلت البيت و أنا لا أعلم ما ذا حدث… قد ذهبت الأزهر لأعرف خبر الرحيل أم تواصل معي قبل رحيله لماذا؟….
و نمت و انا لا أعلم ماذا حدث ! و لكن اليوم و انا مسافرة بالقطار قررت ان أكتب لكم، كم كنت قاسية على نفسي و على عمري عندما قسوت على عبدالله لأنه لم يأت للعزاء، كم كنت غير متسامحة ربما لغلاوة اخي و مكانته في قلبي و لكن كان علي أن أتسامح .. حقا قلبي ليس بيدي .. و ربما كان رحيل عبدالله درسا قاسيا جداااا ليعلمنى درسا جديدا في الحياة..
أكتب إليكم أحبتي لأقول لكم إذا كان في حياتكم ” عبدالله” ابحثوا و تواصلوا و تسامحوا فقد تفقدون هذا ” العبدالله” كما فقدته و احسنوا أعمالكم و صلوا أرحامكم و إذا أهدتكم الحياة صداقات فلا تحملوها أوجاع الحياة و حافظوا عليها … فقد رحل عبدالله و لم تبق إلا ” صفعة الأيام”