شعر وحكاياتعام

من أصالة التجنيس إلى هوية المعاصرة والتداخل الأجناسي


من أصالة التجنيس إلى هوية المعاصرة والتداخل الأجناسي

 
سيرة الطيب ولد هنية
من النصوص [السيرية]/ [الروائية] التي وضع فيها الكاتب تجاربه الشخصية المعتدلة حينا والمنحرفة حيناآخر .. 
إذ تتلبس بنزعته الطاغية للفضيلة والفلاح والرذيلة والإخفاق معا، حيث يأخذ فيها الكاتب موقعا فيتحدث عن نفسه في إطار الآخر و ضمن أحداث خيالية حتى تصبح تلك النصوص السيروائية منصة لتتويج واقع التخييل و شاهدة على قبرالحقيقة الصادقة وإثالة التراب عليها.. إنها منصة الهوية ..
فهل هذه النصوص برواية [سيرة الطيب ولد هنية].. منطلقة من نسقٍ قديم إلى نسق مستحدث يتناسى الواقع الملموس و يتخيل عوالم آخرى ينسجها للقارئ كاتب تمترس خلف وقائع حقيقية يزيفها خياله..
ام أنها تلك الحركة التجديدية التي تبدأ من الذات لتصل إلى النص ثم تتحول الى حركة مزاجية شخصية، انفعالية وعاطفية يتكلم فيها الرواي عن نص يكتبه الكاتب مضيفا إليه مقولاته القلبية المسبقة و احاسيسه الشخصية ثم ينقلها من موقع [الأنا /الآخر] الى [الهو/ الآخر] تحقيقا لهوية محتملة..؟

 نص في مبحث الهوية

زوايا النظر =======1- الاستبطان /الزاوية صفر

=========
بدءا من الزاوية صفر ويسميها ميلان كونديرا (استكشاف الحياة الداخلية للإنسان) والسردية ذاتها التي تمتزج فيها اللغة مع المحكي ، يؤلف الكاتب نصا سمته المميزة بالنسبة إلى القارئ والناقد هو الـ Tunization أو (التونسة) بما يوفره الكاتب، من خصوصية محلية، نجد فيها اجتماعا للمفردة الساخرة والمزاجية القروية والطبيعة الشخصية للراوي.. 
لقد عمد الكاتب إلى تقسيم نصه السردي، إلى معمار بنائي يتكون من 112 لوحة قصصية قصيرة. تجمعها الـــ (Nostalgia ) ذلك الحنين المفرط إلى الماضي، وتلك الرهبة من عدم الارتواء منه او الانتشاء به إثرعملية التطهر الأرسطي أو ما يطلق عليه ميلان كونديرا بـ«حمامات الحنين».
=============

2- الهوية / الزاوية عبر خطوط

==============
تمزج االنصوص اطروحاتها من خلال اعتماد طريقة مقالية، حين تستكشف أعماق شخصية (كافية نسبة لمدينة الكاف)، وأسطورية حين المرور بخط تأريخها الشخصي، أو السيرة الذاتية حين العبور إلى الكائن او الشخص الـ(كافي).. 
وتجتمع تلك الخطوط داخل بؤرة اشعاعية سنكتشف لاحقا أنها تحمل مشغل الهوية، والتي تعمل على تقديم النص السردي، ليس كشخصية روائية، بل باعتبارها فضاء متحولا ولكنه ثابت المركز مكانيا، خاصة عندما جعل من بيئته بؤرةََ / قطبا، تنطلق منها مجمل الأحداث والحكايات الأخرى..دون ان ينسى السارد الوظيفة الحكائية السردية الشخصية (ولد هنية)، كعامل محوري، تنطلق من خلاله الحكاية..
======
هكذا كانت هذه اللوحات/ القصص عبارة عن خطوط كما يسميها ميلان كونديرا مستويات مخصوصة أو طبقات للنص مرتبطة بالشخصيات وسيرتها او متصلة بأشخاص آخرين بذاتهم.. لتحقق هوية نصية مخصوصة كان السارد واعيا بحبكها..
=============

3- الهوية والآخر/ الانفتاح الأجناسي

=============
لجأ الكاتب إلى تشكيل نصوص لوحاته من عدة عناصر تيميةََ لعل أهمها:
1- موتيفة السيرة الذاتية 
2- موتيفة الوثيقة 
3- – موتيفة التضافر البارتي
4- موتيفة المسرحة 
5- موتيفة الفيلم السينمائي
6- موتيفة الرسائل 
7- موتيفة الكلمات المشفرة.


من أصالة التجنيس إلى هوية المعاصرة والتداخل الأجناسي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أ– موتيفة السيرة الذاتية 

============
يعمد الروائي بالنص الاستهلالي [الطيب ولد هنية يرى النور] إلى السير ذاتي فينطلق من النقطة صفر، في سرد سيرته ، متخذا قالبا قصصيا أقرب إلى الحكائية (تعالت الزغاريد في منزل عمر الجوادي ذات ربيع من سنة 1962.. المولود بكر ..) وبطريقة عفوية يدخل عالم السيرة والحكاية ومنه الى عوالم القصص السيَّري. حين يقدم البطل حياته مفتوحة على وقائع تتراوح بين الصدق والتخييل..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ب- موتيفة الوثيقة 

=========
عمد الكاتب الى تقديم وثيقة من خلال لوحة فائقة الدقة اذ جاء بنصه ص 68// الطفل الطيب يكتشف سرا عظيما//.. 
[وقررت ان أكتب لها رسالة ملتهبة بالمشاعر والأحاسيس مستعيرا اكثر العبارات من عرائس المروج وروميو وجوليات […]سلمتها الرسالة يدا بيد .. فلم يكن منها الا ان حملت الرسالة لمعلم الفرنسية الذي أشبعني شتما وضربا قبل أن يقرأ الرسالة على بقية التلاميذ وهم يرددون (الللللللله!)]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ت – موتيفة التضافر

=========== 
قدم الكاتب الشخصية الثانية مركبة، تكاد تكون مختلفة عن باقي شخصيات النص(هنية )، رغم ضيق المساحة التي تمكن الروائي من منحها لها ، خارج المفهوم الاصطلاحي لرولان بارت (التضافر) أي شخصية ناتجة للخطاب السردي وليس مُنتجة له..
كما لجأ الى ادارة دفة كفة السرد بطريقة الخاطرة او التداعي الحر، إذ يسترسل مع الأحداث انهمارا وتوليفا..وهذا ما نجده بنصوص ثلاثة متتالية [الغواية ص11/ الغواية مرة اخرى ص113/ الغواية أيضا ص 115].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ث – موتيفة المسرحة

بقليل من النصوص عمد الكاتب إلى رقابة غريبة حين الاحتفال بالجسد فالمشاهد الحسية جاءت أشبه بالمسرحية خاصة فيما ورد من حوار بين الرجل والمرأة كان يقترب من الإيروتيكية دون أن يصل إليها ، وهو ما يسميه بارت (نص المتعة) في تصوير لحظات الانغماس في نشوة التمتع والاستغراق في اللذة.
ولعل الكاتب قد مارس الكاتب على نصه تلك الرقابة الصارمة، حرصاً منه على تقديم تلك المشاهد، على أنها محاولة منه للاندماج الكلي مع الآخر ، بدت كما لو كانت معجزة تنتشل السارد من واقعه السيء، حيث طغيان (الأنا) الشاعرة بالخيبة، وقد يطلب من الكاتب اعتبار تلك الممارسة الغريزية شبيهة بإعادة الخلق، وتحقيقا لنبوءة مخصوصة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ج – موتيفة الفيلم السينمائي

لجأ الكاتب الى اعتماد أسلوب القطع السينمائي..كما باللوحة ص78 ..[الطيب وهنية يشاهدان شريطا] سينمائيا ويعتبر هذا النص قطعا لسيرورة السرد و تبطئة للسرد او عرقلة زمنه تمشيَّا مع الخصائص الفنية للقصة والرواية..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ح – موتيفة الرسائل

============
حضرت الرسالة في مواضع عديدة من النص كما بالصفحة 70 // الطيب ولد هنية كاتب عمومي//=====
حيث يسرد الكاتب : (أضحى بقدرة قادر الكاتب العمومي لسكان قريته… لينتقل بعد ذلك الى الحكاية وبث الاشاعات وإفشاء الاسرار..[….] فكان لا يتردد في نقل أسرارمن يكتب رسائلهم الى من هب ودب )..
كذلك حضور الأمكنة والأشياء والتي بدت باللوحات ليست بكراً. انها رسالة ووثيقة فعلٍ إنسانيّ يشغّلها الواقع، حيث يجعل حضورها بالنص جدارا سميكاً من الذكريات والآثارالمحكية ، وبالتالي التعالي بها كأشياء جامدة وأمكنة الى مراقي أكثر إنسانية، خاصة حين يتعاظم الركون اليها أومد أواصر أو علاقات معها”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خ – موتيفة الكلمات المشفرة.

===============
لجأ الكاتب الى اعتماد السرد الشفاهي واعتماد اللغة اليومية واللهجة الدارجة لتتكشف الكثير من الوقائع ذات الصلة بالموروث الشعبي التونسي وبخاصة جهة الشمال الغربي ومنطقة الكاف تحديدا، وينزع الى نفض الغبار عما يتصل بالاحداث من قيم وتقاليد، سادت حتى وقت قريب، كالتعايش القبلي رغم التفاوت الطبقي والاجتماعي..
===============

4- الهيكلة والبنى الحكائية 

==========
إن المتتبع للشخصية المحورية وكيفيات توظيفها داخل العمل الإبداعى، واحكام التفضية المكانية حين اعتبارها خلفية جغرافية لمجمل الأحداث وان الالتجاء الى حيثيات استخدام الضمير الغائب والمتكلم بنفس اللوحة القصصية ودلالتهما.. واحكام الولوج الى عالم المروى عليه بما هو المكمل الثالث والأخير للعملية السردية الإبداعية ( سارد ومسرود وسرد) والاهتمام بالان نفسه بهوية الذات المتلقية للسارد داخل بنية سرده.. تجعل صعوبة اعتباره رواية او سيرة ذاتية ..
من هذا المنطلق السالف الذكر تبدو زئبقية النص إذ نتبين قدرة فائقة لهذا النص على التملّص من أي محاولة تجنيس أدبي ففيه تتعايش الأجناس لتحلّق بالكاتب و القارئ معا في فضاء ابداعي أرحب بعيدا عن المسميات و التوصيفات..
======


من أصالة التجنيس إلى هوية المعاصرة والتداخل الأجناسي

خاتمة 

======
هكذا انطبعت هذه النصوص بالمحلي وبأجواء احتفالية خاصة وعامة تحتفي بالروح الانسانية الكونية ولكنها مقاربة للمعيش التونسي، حد اعتباره نسخة منه، فالقارئ لنص من تلك النصوص لن يجد مشقة في تأطير هذا النص بكونه تونسيا [كافيا ] بامتيازشكلا ومضمونا، لطالما أوثق الكاتب عرى شخصياته بالنضج والكمال الانسانيين كما ذكرالكاتب اليكس ميكشللي حين تطرق الى (المشاعر البنائية للشعور العام بالهوية).
فكل شخصيات اللوحات تشي بتمظهرات خارجية تنبع من الداخلي التونسي المحض. ومن خصوصية محلية ملتصقة حميميا بالمفردة (الكافية )المحلية والمزاجية، 
وهكذا يبدو الاحتفال بالسردية حينا وبالسيري حينا آخر تفاعلا مع الأحداث،وكتابة في المحلي، مما جعل الرواية تحقق تلك الصدقية المطلوبة بالسير ذاتي، ويقدِّم مفهوما جديدا للكتابة الواقعية بمبحث الهوية التي تستلهم عناصر بناء النص السرذاتي لتوظيفها بطريقة حكائية سردية، وابراز ثراء شخصيتنا التونسة..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock