بقلم : صفاء القاضي
هل تعلمين أيتها الراحلة بدوني أنك لم ترحلي بل تركت قطعة منك في الدنيا , وهل تعلمين أنك عندما رحلت و أخذتك الحياة الآخرة من بيننا قد رحل منا جزء معك فلا نحن هنا بأكملنا ولا أنت هناك دوننا .
برحيلك مات فينا إحساس الأمان إحساس أنه لديك في الدنيا حياة فوق الحياة , وجودك كان يحمي مشاعرنا من جفاف الألم كان يحمينا من كل شيء حتى لو أصابنا الأ لم , فإن دفء كفيك يبعث فينا الروح حينما تربت على صدورنا وينبعث من كفيك الحنان فيغمرنا ,
وذلك الدفء الذي يحتويه قلبك , أنت لي كل من جزء , أنت لي جذور تمتد في الأرض وأنا فرعها , أنت لي بيت و سماء وأرض , أنت لي الربيع والزهور , أنت لي السرور والضحكات
حينما رحلتي كل هذه الأشياء رحلت معك , حملك الموت فوق جناحه واختال مزدانا بك ثم خلت منك الحياة وجفت ينابيعها , أمي ربما مرت الأعوام في غيابك ثقيلة وتواترت علينا الهموم وحضورك لم يزل قويا وأنفاسك اكاد أشتمها من حنيني إليك ,
لم أعد أخشى الذهاب بعد ذهابك ولا الغياب بعد غيابك تساوت عندي الحياة والموت , فالموت إلى جوارك حياة , كشرت أنيابها الحياة بعد رحيلك و كشفت عن وجهها الخبيث ورأينا فيها وجوه القسوة , فحينما تكون بلا أم فأنت قلب بلا نبض .
أمي حينما رحلتي ومضت السنون بنا رأيتك بداخلي وتجلى في نفسي كل ما أردته أنت أن يكون , تعلمت منك الخير والعطاء والوفاء , تعلمت منك الوجه الرائق للحياة , حتى إذا ما صدمت بكل خبث أو غدر أو خطيئة استنكرتها أجزائي رأيتك أنت بداخلي , هذا ما فعلته يداك يا أمي , فالأم ترسم أبنائها كلوحة وتنحتهم كتمثال يبدو خيرها فيهم و يجدون في أنفسهم كل جميل أخذوه منها عن قصد أو غير قصد
أمي وجدتك بداخلي وأكملت حياتي وفاء لك , لمن علمتني الحق والخير والصدق , وعلمتني العطاء والبذل والجود علمتني حتى عن غير قصد منها أو مني أن أكون مع مرور الحياة ظلا آخرا لأمي .
أمي الراحلة وأن رحلت لكني أعيش في ظلالك , يدثرني خمارك .