بقلم الأستاذة فتيحة بن كتيلة مختصة نفسية ، الجزائر
الصوم ركن من أركان الإسلام الخمسة كما جاء ذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، قَالَ: «صَدَقْتَ»، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، رواه البخاري
والمقصود بالصيام هو منع النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات فالجوع يكسر شوكتها ويجعلها تشعر بالجائع الفقير ،ويضيق مجرى الشيطان ، والصوم سرا بين العد وربه ،وهو عبادة العبد لربه فالمسلم يترك شهوة الأكل ولذته طاعة لله وذلك حقيقة الصوم و عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذٍ ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه” متفق على صحته.
وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلّقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” متفق على صحته.
فأي عظمة لهذا الشهر ؟
وللصوم فوائد متعددة نفسية واجتماعية وصحية وسنتكلم على الفوائد الاجتماعية للصوم والتي تتمثل في مايلي :
1-أنه يحقق تقوى الله في الاستجابة لأمره والانقياد لشرعه ,ويتحرر العبد من نفسه ويتعود كبحها ولجمها انقيادا لله سبحانه وتعالى أي هو تربية للنفس .
2- يعوِّد النفس على الصبر، ويقوي الإرادة في التغلب على الشهوات بمختلف أنواعها 3- يجعل الصائم يشعر بالفقراء والمساكين، فعندما يجوع ويعطش يشعر بألم غيره فينفق ويتصدق وتتكون لديه مشاعر إيجابية تجاه الفقراء والمساكين.
4) الالتقاء بالجماعات:في صلاة التروايح يلتقي المسلم بأخوانه ويلتقي مع من تتشابه أفكارهم في الندوات والمحاضرات الدينية فيكون رمضان فرصة لتلاقح الأفكار والآراء وتعانق الأرواح وتآلف القلوب ،
التفاعل الاجتماعي : تزداد الزيارات في رمضان بين الأقارب والأهل والجيران حيث يلتم الشمل ويكون هناك تبادل للزيارات وأنواع الأطعمة والحلويات مما يقوي الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد.
• تنمية روابط الألفة بين أفراد المجتمع: يسارع الناس في شهر رمضان إلى الإحسان والتسابق إلى الخيرات، فالصائم حين يكف نفسه من ضروريات الحياة، يدرك ما يعانيه الفقير المحروم من الجوع والحرمان، وما يشعر به البؤس والعوز، فترق نفسه وتفيض بالحنان والعطف ويلين قلبه فيسرع بالجود والسخاء له. كما نلاحظه في الجمعيات الخيرية وإفطار الصائمين وولائم الأيتام والفقراء.
إقرأ المزيد فوائد الصوم في رمضان
• يربي النفس على المساواة : الصوم عمل يشترك فيه الغني والفقير على حدا سواء في الإحساس بالجوع طيلة فترة الصيام بشكل متساو، وهو بذلك مظهر عملي للمساواة الكاملة، فمن أسرار الصيام الاجتماعية أنه تذكير عملي بجوع الجائعين، وبؤس البائسين، تذكير معنوي عملي حيث لا لسان فصيح، ولا خطبة بليغة ، تذكير يحسه ويسمعه الصائم من صوت المعدة، ونداء الأمعاء، فإن الذي نبت في أحضان النعمة ولم يعرف طعم الجوع، ولم يذق مرارة العطش، لعله يظن أن الناس كلهم مثله.. فلا غرو أن جعل الله من الصوم مظهرا للاشتراكية الصحيحة والمساواة الكاملة، وجعل الجوع ضريبة إجبارية، يدفعها الموسر والمعسر.. وقد روي أن يوسف عليه السلام كان يكثر الصيام وهو على خزائن الأرض، بيده المالية والتموين، فسئل في ذلك فقال: أخاف إذا شبعت أن أنسى جوع الفقير.
• تهذيب للخلق : إن الصوم يوفر للإنسان تربية نفسية حيث يبتعد الإنسان عن الآفات الاجتماعية ،والابتعاد عن الغيبة والنميمة والشجار والعدواة فالصوم يعزز روح التقوى والورع في نفوس الناس وله تأثير مباشر في التربية الروحية لكل أبناء المجتمع فرداً فرداً، وذلك بسبب أن أكثر الذنوب الفردية والاجتماعية ناشئة من غريزتي الغضب والشهوة، بينما الصوم يقف أمام طغيان هاتين الغريزتين، ولذلك فهو سبب تقلص الفساد في المجتمع وازدياد التقوى.
• تنمية السلوك الحسن: يساعد الصوم على التمرّن في ضبط النفس والسيطرة عليها، وتنمية السلوك الحسن لديه، وبذلك يتمكن المسلم من قيادة نفسه لما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة..
إقرأ أيضا كيف تستعد لشهر رمضان
إشاعة روح المحبة والإخاء وروح التعاون في المجتمع: إن ذلك الجوَّ الإيمانيَّ الذي يعيشه الصائمون من شأنه أن يوثق العلاقات بين قلوبهم ويشيع فيهم المحبة والإخاء وروح التعاون؛ إذ أن المؤمن يصوم مع إخوانه في جو جماعي متآلف، فالجميع يصومون في وقت واحد ويفطرون في وقت واحد، ويستشعر كل فرد في المجتمع ما يستشعره الآخرون من الناحية الوجدانية، لأن الصائم يرتاح نفسياً إلى من هو في مثل حاله، وينجذب إليه بالعطف والمودة لاتحاد غايتهما ووحدة هدفهما في ابتغاء مرضاة الله وغفرانه.. فترى الصائمين في هذا الشهر متعاطفين متحابين، يقصدون المساجد للصلاة وذكر الله وقراءة القرآن، وهم غالباً يتزاورون ويتسامرون بعد صلاة العشاء والتراويح جماعة. وهم بذلك يتفقّدون من تخلَّف منهم عن حضور الجماعة، فإن كان مريضا واسَوْهُ، وإن كان في ضائقة تعاونوا لدفعها عنه..
التكافل والإيثار: يتولد عن الصيام كسر شوكة الأنانية لتعويضها بروح التكافل والإيثار، وترى الغنيَّ في هذا الشهر، أكثر من أي شهر آخر، يسارع إلى التضامن مع المعوزين ومد يده إليهم بسخاء لأنه أتيح له من خلال الصيام أن يشعر شعورهم ويعيش بعضا من معاناتهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن تردنا التكاليف الإسلامية والتشريعات الربانية إلى الطريق المستقيم .وماهي إلا أيام قلائل تفصلنا عن شهر الخير والبركة فاللهم فوفقنا لصيامه وقيامه، وتلاوة كتابك، وحبب إلينا العدل والإيمان، وكره إلينا الفسوق والعصيان، ورضِّنا بما قسمت لنا، ووفقنا لما تحب وجنبنا ما تركه، إنَّك سميع مجيب الدعاء.