كتب/خطاب معوض خطاب
تعددت لقاءات أمينة المفتي بالأمير الأحمر علي حسن سلامة الذي قدم لها نفسه على أنه كمال ياسين رجل الأعمال الفلسطيني، وبالطبع فقد كان حريصا على إخفاء شخصيته الحقيقية كعادته، كما أنها كانت حريصة في أحاديثها معه وتخاطبه بصفته التي قدم نفسه بها إليها، وكانت أمينة المفتي تتحاشى أن تفتح معه أي حوار سياسي، فقط هي طلبت منه استغلال نفوذه في مساعدتها في مهمتها وسعيها للعمل كطبيبة متطوعة لعلاج الجرحى في المخيمات الفلسطينية بالجنوب اللبناني.
وبالفعل عاونها وتوسط لها فانفتحت أمامها جميع الأبواب المغلقة، بل وتطورت علاقات أمينة المفتي بالقادة الكبار في المنظمات الفلسطينية المختلفة، حتى جاء يوم قابلها فيه الزعيم ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وصافحها وقال لها: “إننا نفخر بالمتطوعات العربيات من أمثالك”، وقابلته بعدها كثيرا، وفي إحدى لقاءاتها به قدمت له تقريرا عن السلبيات والمشاكل الموجودة داخل المخيمات والتي تعوق عملها كطبيبة تقوم بمداواة الجرحى، فأبدى اهتمامه بالتقرير وأوصى مدير مكتبه بالتحقيق في الأمر، كما أوصى بعلاج هذه المشاكل، وبذلك تقربت منه أكثر وازدادت ثقته فيها أكثر وأخبرها أن مكتبه مفتوح لها في أي وقت، بل والأكثر من ذلك كله أنها حصلت منه على تصريح يضمن لها التحرك في أي مكان.
وهكذا كانت أمينة المفتي في الظاهر تضمد جراحات المصابين في مختلف المخيمات الفلسطينية بالجنوب اللبناني، وتبث فيهم روح الإرادة والحماس لاستكمال العمل الفدائي، بينما كانت عيناها في الحقيقة تلتقط صورا لكل ما تقع عليه داخل المخيمات وتخزنه في الذاكرة، وكانت أذناها كجهاز التسجيل تسجلان كل ما يصل إليهما، وحفظت أسماء القادة الفلسطينيين وعلمت كل شيء عن أنواع وأسماء الأسلحة التي كان يستخدمها الفدائيون الفلسطينيون.
ومن خلال تحركات أمينة المفتي داخل المخيمات الفلسطينية حصلت على كثير من الأسرار التي لا تقدر بمال عن تحركات الفدائيين وتنظيماتهم وعملياتهم الفدائية التي يعتزمون القيام بها، فكانت تجمع هذه المعلومات وترسلها إلى قيادات الموساد الذين تأكدوا أن بحوزتهم كنزا ثمينا لا يقدر يمال اسمه أمينة المفتي.
وبينما هي على هذه الحال من التحرك والعمل بأمان داخل جميع المخيمات الفلسطينية، وبينما هي في لحظة استرخاء على كرسيها داخل مقهى الدولشي فيتا الواقع على شاطئ الروشة إذا بسيارة جيب تتوقف وينزل منها ثلاثة من الجنود الفلسطينيين يحيطون بها وبلهجة شديدة وبطريقة فظة يقولون لها: “نعرف أنك هنا، وعليك مرافقتنا حالا”.
وكاد فنجان القهوة يسقط من يدها، ودون أن تتفوه بكلمة واحدة، خرجت أمينة المفتي بصحبتهم وقد ألجمت الصدمة والمفاجأة لسانها، ووسط تضارب أفكارها عن سبب ما حدث وبينما هي بصحبتهم داخل السيارة التي انطلقت بهم بسرعة شديدة، وإذا بها تتبول لا إراديا من الخوف والرعب وفكرت حينها أن تبتلع كبسولة سم السيانيد _التي تحملها دوما_ وتنتحر وتريح نفسها بدلا من أن تقع أسيرة في أيدي هؤلاء الفلسطينيين.
كان الانتحار هو ما فكرت فيه أمينة المفتي في ذلك الوقت، فهل تنتحر بالفعل؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله فانتظرونا.