كتب/خطاب معوض خطاب
دخل إبراهيم شاهين مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي لسيناء ليطلب منه تصريحا له ولزوجته للسفر إلى القاهرة، وداخل المكتب التقى ضابطا يدعى “أبو نعيم”، وبعد توسلات من جانب إبراهيم شاهين ومماطلات من جانب “أبو نعيم” صرخ إبراهيم في وجه الضابط الإسرائيلي قائلا إنه أصبح بلا دخل، ولا يملك قوت يومه بعدما فقد عمله، ثم يأتون هم ويمنعونه من الذهاب للاطمئنان على أولاده بالقاهرة، وعندها وعده الضابط الإسرائيلي بالنظر في أمره في أسرع وقت، ثم أمر بمنحه جوالا من الدقيق وبعضا من أكياس الشاي والسكر، وانطلق إبراهيم فرحا بالمنحة التموينية إلى زوجته حاملا لها البشرى بقرب السفر إلى القاهرة.
وتكررت زيارات إبراهيم شاهين لمكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي لطلب التصريح له ولزوجته بالسفر إلى القاهرة، ورغم فشله كل مرة في الحصول على التصريح المنشود إلا أنه كان في كل مرة يعود محملا بالمواد التموينية التي أصبحت هي المصدر الوحيد لإعاشته هو وزوجته.
وذات يوم فوجئ إبراهيم شاهين بمكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي يستدعيه، فذهب إليه مهرولا، وبعدما وصل أبدى للضابط “أبو نعيم” شكره وامتنانه على إمداده بالدقيق والشاي والسكر، فقاطعه “أبو نعيم” ليبشره بموافقة الحاكم العسكري على منحه وزوجته تصريح السفر، بشرط أن يبد ي التعاون معهم، ويأتيهم بأسعار الخضراوات والفاكهة في القاهرة، وأن يخبرهم عن الحالة الإقتصادية للبلد، فوافق على طلبات الإسرائيليين دون تفكير بل وقال: “لو أردتم أكثر من ذلك لفعلت”.
وسريعا أحاله “أبو نعيم” إلى “أبو يعقوب” الضابط المسئول في مكتب الأمن بسيناء، والذي أبلغ إبراهيم شاهين بضرورة الذهاب معه إلى “بئر سبع” حيث يوجد المكتب الرئيسي للأمن وهو المعني بالتعامل مع أبناء سيناء، وهناك وفي مكتب جهاز الموساد في “بئر سبع” استضافوا إبراهيم شاهين وأكرموه وعرضوا عليه صراحة العمل معهم مقابل إغراءات كثيرة، وبالفعل أعطوه 1000 دولار كدفعة أولى، في الوقت الذي كان جيبه فارغا.
وتم إخضاع إبراهيم شاهين لدورة تدريبية تعلم خلالها كيفية كتابة الرسائل بالحبر السري، كما علموه كيفية جمع المعلومات دون إثارة الشك والريبة، ودربوه على بث الشائعات بين الناس بطريقة تجعلهم يصدقونها، وبعدها عاد إلى زوجته فرحا محملا بالأموال والهدايا، وحينما سألته عن مصدر هذه الأموال الكثيرة التي أتاها بها أخبرها بأنه قد دل الإسرائيليين عن مخبإ فدائي مصري فكافئوه بإعطائه 1000 دولار، كما وعدوه بمنحه تصريحا لزيارة أولاده بالقاهرة، فأبدت إنشراح فرحتها وقالت له: “حسنا فعلت، فلو لم تدلهم أنت عليه لفعل ذلك غيرك وأخذ هو الألف دولار”.
وحينها استغل إبراهيم الفرصة وقال لزوجته إنشراح إن الإسرائيليين طلبوا منه أن يوافيهم بأسعار الفاكهة والخضراوات في أسواق القاهرة مقابل منحه 200 دولار عن الخطاب الواحد، ولحظتها أصيبت بالدهشة وسكتت قليلا ثم قالت لزوجها: “بعدما تكتب لهم الخطابات يجب أن تطلعني عليها لمراجعتها حتى أراجعها ولا نتعرض للخطر”، وهكذا وافقت إنشراح على تعاون زوجها إبراهيم شاهين مع الإسرائيليين وهي لا تعلم أنها بدأت معه رحلة السقوط في مستنقع كريه لا مخرج منه أبدا.
وفي يوم 19 نوفمبر سنة 1967 وبواسطة هيئة الصليب الأحمر الدولي وصل إلى القاهرة كل من إبراهيم سعيد شاهين وزوجته إنشراح علي مرسي لزيارة أولادهما الثلاثة والاطمئنان عليهم، فهل ينجو الزوجان بنفسيهما من مستنقع الجاسوسية أم يواصلان الخوض فيه، هذا ما سوف نعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، فانتظرونا.
المصادر:
كتاب “أشهر وأخطر الجواسيس عبر العصور” محمود عبد الله.
كتاب “كل شيء هادئ في تل أبيب” حسني أبو اليزيد.
برنامج النادي الدولي، حوار سمير صبري مع الجاسوسة.
كتاب “جواسيس الموساد العرب” فريد الفالوجي.
جريدة الأهرام الصادرة يوم 5 أكتوبر 1974.
فيديو للجاسوس “رافي بن ديفيد”.