كتب/خطاب معوض خطاب
اعتاد إبراهيم شاهين أن يصطحب أسرته معه في رحلات للأماكن السياحية في سيارته الجديدة طراز فيات 124، حيث اصطحبهم معه مرة إلى محافظة الأسكندرية في رحلة سريعة، كما أنه اصطحبهم أيضا في رحلة طويلة إلى الأقصر وأسوان.
وفي حقيقة الأمر لم تكن رحلات إبراهيم شاهين هذه بغرض التنزه أو التسرية عن أسرته، بقدر ما كانت هذه الرحلات لممارسة عمله هو وزوجته إنشراح بالجاسوسية.
فقد كان يذهب بأسرته إلى المتنزهات والأماكن السياحية القريبة من القواعد العسكرية، وبينما الأولاد يلعبون ويمرحون، تدعي زوجته إنشراح أنها تصدقوم بتصويرهم، بينما تقوم في حقيقة الأمر بتصوير هذه الأماكن العسكرية، فقد كان الزوجان الجاسوسان إبراهيم وإنشراح يستغلان وجود أولادهما معهما كغطاء وساتر لهما ليقوما بممارسة أعمال الجاسوسية.
ولكن المثير للدهشة بالفعل، والذي لم يفعله أي جاسوس في العالم من قبل، كان ما فعله إبراهيم شاهين بعد عودته من إحدى زياراته لروما في صيف سنة 1971، وذلك حينما جمع أولاده الثلاثة “نبيل ومحمد وعادل” حوله يوما وقال لهم: “لقد عشت أنا وأمكم هذه أياما مريرة، ومررنا بظروف سيئة، ولم نكن نمتلك ثمن رغيف الخبز أو حفنة من الملح، والآن وكنا ترون أصبحنا نحيا نحن وأنتم في نعيم مقيم، وحولنا كثيرون في مثل أعماركم يعانون حاليا مما كنا نعاني منه سابقا، أما أنتم فتعيشون عيشة أبناء الملوك، ولن أخفي عليكم شيئا، فعملي الحكومي وتجارتي لم يكونا ليوفرا لنا هذه العيشة أبدا، والفضل فيما نحن فيه حاليا يعود لأصدقائنا الذين ساعدونا ووقفوا بجانبنا وأنقذونا من الضياع، إن الفضل وحده يعود للإسرائيليين الذين أمنوا لنا مستقبلا مضمونا يحسدنا عليه الجميع”.
ومع أن الأولاد كانوا صبية في هذا الوقت ولم يستوعبوا معظم ما قاله لهم والدهم الجاسوس إبراهيم شاهين، إلا أنهم عاهدوا والدهم ووالدتهم أن يتعاونوا معهما في خدمة أصدقائهم الإسرائيليين، وجمع كل المعلومات التي تضمن لهم استمرار تدفق الدولارات عليهم، وهكذا ولأول مرة في التاريخ تكونت شبكة جاسوسية من أسرة كاملة.
وبفضل الأموال التي كانت تتدفق عليهم انتقلت الأسرة للإقامة بفيلا فاخرة في حي مدينة نصر، ونقل إبراهيم وإنشراح أولادهما إلى مدارس جديدة داخل هذا الحي الراقي، ومع احتفاظه بصداقاته القديمة قام إبراهيم شاهين بعقد صداقات جديدة في الحي الراقي الذي يعيش فيه، وكثيرا ما كان يقيم حفلات صاخبة يحضرها أصدقاؤه الجدد والقدامى.
وبينما كانت الفيلا تمتلئ بأصدقاء الأسرة من علية القوم ومن رجال الجيش والطيارين الذين يسكنون في الحي الراقي، كان أبناء إبراهيم وإنشراح يتنافسون فيما بينهن في جمع المعلومات من زملائهم أبناء الضباط في المدرسة والشارع.
وذات يوم مرض إبراهيم مرضا شديدا، وزادت عليه حدة المرض لدرجة أنه أصبح مقصرا مع زوجته في أداء واجباته الزوجية، وزادت عليه وطأة المرض بعدما شاهد في نشرة الأخبار المذاعة بالتليفزيون السلطات المصرية وهي تقوم بإلقاء القبض على أحد الجواسيس، وعلم أنه يجري استجوابه والتحقيق معه، وانشغلت الأسرة كلها بهذا الأمر ولم يعد لهم حديث غيره.
ونتيجة للخوف الذي سيطر على الجميع، فقد اقترح إبراهيم شاهين على زوجته إنشراح أن تسافر إلى روما وتقابل رجال الموساد، وتخبرهم بأنهم قد قرروا اعتزال العمل بالجاسوسية، فهل يصدق أفراد عائلة الجواسيس في عزمهم اعتزال العمل بالجاسوسية، هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، فانتظرونا.
المصادر:
كتاب “أشهر وأخطر الجواسيس عبر العصور” محمود عبد الله.
كتاب “كل شيء هادئ في تل أبيب” حسني أبو اليزيد.
برنامج النادي الدولي، حوار سمير صبري مع الجاسوسة.
كتاب “جواسيس الموساد العرب” فريد الفالوجي.
جريدة الأهرام الصادرة يوم 5 أكتوبر 1974.
فيديو للجاسوس “رافي بن ديفيد”.