قد يبدّو العنوان غريباً بعض الشيء، وفيه مُتناقضات، صعبة المنال، شّديدِة المحَال كالصواعقِ، كفريقين مُتّضَاَدين وطِّريقَينِ مُّستَقيِمَبنْ، لا يمكن لهُما أن يلتقيا أو يجّتَمِعَا معاً!!. إنهُ الجاسوس الساحر، ولكنهُ قد يصبح خائناً للأمانة، فلا يؤمن جانبهُ؛ لأنهُ مُتمّلِقْ، ومُتألق أيضاً، قد يسرق قلبك، وعقلك، وفكّرِكْ، ووقتك، وينتهك خصوصيتك، ويفضح سريتك، فتُّصِبح علانية!؛ كثيراً ما يصير هذا الجاسوس خُواناً آثماً كفوراً، وإن أبدى لكَ ظاهراً المحبة، والِّترحَابْ، وقابلك بالعنِاقِ، وبّأَجِمل القُبُلاتْ، وبِّتوُزيِع سيلاً جارفاً من الابتسامات، وبحراً من السلامات، وأغدق عليك بُّوحاً من أرق القصص، وعرض عليك مراجعة أحلي الذكريات، ودّلعك بأَنعّمِ الكلمات، واَشّتّمَمتْ منهُ عطراً ساحراً يأخذ معهُ الزفرات، وكأنك في السكرات، ويعطيك من طرف اللسان حلاوةً، ولكنهُ يروغ منك كما يروُغ الثّعلبُ!؛ فلن يكون صديقاً صدوقاً حينما يغدُرُ بصاحبهِ، ويعاقبهُ دون تردد أو رحمةٍ أو رأفة أو ديمقراطية كما يدعي!؛ فُيحاسبهُ أحياناً علي موقفهِ، الوطني أو السياسي، فّيخُون الخِلُ خلهُ، ويقاطعهُ، ويمنع عنهُ فجأةً المشاركة، والمساهمة والبناء والتفاعل، وكأن شيئاً لم يكن بعدما أسقاهُ ماءً غدقاً، وبعد الموُدةِ يُقابِلهُ بالجفاء، والنُكرانِ، كالنيرانِ المسُّتّعِرةِ المُشتعلة في الهشيمّ!؛ وفي هذهِ الأيام، فلا أمن ولا أمان لشيء!؛ فقد ينقلب الصديق، فيصبحُ عدواً فتاكاً، وأعلمُ بِالّمَضرة، فّيَفجُر من بعد الحلاوةِ، و بالشقاوة، والسعادةِ، بالحرمان، وينهمرُ عليك بِعقوبةٍ مُستمرة قائلاً لك: “أنت تنتهك معاير مُجتمعنا” بالتأكيد عرفتموه إنهُ: “مارك، والفيس بوك”؛ ونُفصل عنوان المقال في ثلاثة نقاط: 1- الجاسوس السَاحِرْ: إن الفيس بوك، وأغلب وسائل التواصل الاجتماعي تّعَرف عنك تقريباً كل شيء، ويأخذ الفيس، وقتك، وعقلك، وفكرك، وجهدك، وساعات طويلة، وأيام، وليال، وشهور من سنين عُمرك، وهو جاسوس له ايجابيات كثيرة منها أنهُ قد ساهم في التشبيك، و التواصل الانساني بين الأمم، والشعوب، وانتشار الثقافة، والمعرفة، فتزداد الخبرة في علوم الحياة، وشكلت تطوراً رائعاً للتكنولوجيا الرقمية، وكذلك كانت نقلة نوعية، للتطوّر العلمي والفكري، والتنوع الحضاري، والثقافي، والتواصل الاجتماعي؛ ولكن هذا الجاسوس له مضار وسلبيات كثيرة، وقاتلة ومدمرة أيضاً، للنسيج الاجتماعي؛ فقد تنشر علي صفحاتهِ ٱلاف من الكلمات، والبوستات، والصور، والفيديوهات، والقصص الجميلة، ويّسحرك، فتّنشر كل خصوصياتِك، ويعلم عنك كل صغيرةٍ وكبيرة أحصيتّها، وقد نسيتها مع مرور الوقت، ولكنهُ جاسوس لم ينساها، ويخزنها لك بمُرِها وحلوها، وهو أكبر مصدر أمني مُهِم لجمع المعلومات تستفيد منهُ معظم أجهزة المخابرات والاستخبارات في كل أنحاء في العالم الخ..، فهو جاسوس ساحر يلبي لك الكثير من رغباتك، ويرغبك في كثير من الأمور التي تحبها، وتهواها فيلعب هذا الساحر الكاهن، علي الوتر النفسي للمسُتخدم، فيخدمهُ أحيانًا، ويستخّدمَهُ أيضاً. 2- الصديق الغادر: “الفيس بوك”، فهو يُعرفك علي ٱلاف الأصدقاء، والمتابعين، والمُحبين، والعاشقين، ويقرب لك البعيد، ولكنهُ، ومن غير سابق إندار، وبدون اشعار قّدْ يُبِعد عَنكْ القريب الحبيب!؛ فتكون في بيتك، ومعك زوجتك وأولادك، وأهلك، وإخوانك، وكلٌ في حالهِ منشغل، ومنهمك، ويغني علي ليلاه، ومتبعٌ غرامه، وهواه، في دُنيا الفيس؛ تجد منا من هو سارحٌ فكرهُ، شاردٌ عقله، وكيانهُ، ووجدانهُ، مع الأصحاب البِعادْ علي الفيس!؛ الذي جعل الدنيا قرية صغيرة جميلة أحياناً، ولكنها قد تكون أحياناً خطيِرة، وحقيرة، بل كالحظّيِرَةْ!؛ وكّمْ فرق أحياناً هذا الصديق، العدو، بين الزوج، وزوجهِ!؛ لأن كل منهما قد يحب، ويعشق ويقع في الغرام من خلال الفيس الأحباب، والأصحاب علي الفيس بوك، ولا أحد منا معصُوم أبداً، قال تعالي: ” “فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا”؛ وكثيراً ما دّمَرتْ وسائل التواصل الاجتماعي، وعلي رأسها “الفيس بوك” بيوتاً، وطُلقت نساء، وهُتكت، وفضحت ستّر أعراض الكثير من الناس، بسبب نزوة أو غلطة أو سوء ظن هنا أو هناك، أو فهم مغلوط سببها هذا الصديق العدو!!. 3- العدو الفاَجر: ” فيس بوك” هذا الموقع الاجتماعي الكبير جداً، والذي يتغنى بالحرية، ويدعي الديمقراطية، والإنسانية، وحقوق الانسان، ويفتح أمامك الدنيا كلها، وتبحر في أنحاء الإبداع الأدبي، والثقافي، والعلمي، والفني، والاجتماعي، ولكنك حينما تمخُر عباب البحر وتصل السفينة لمنتصف البحر، وقد ركبت فيها باحثاً، وطالباً للأمن، والأمان، والحب، والسعادة، والحنان، واندمجت وذبت فيها، وتهاجر الأوطان جسداً، لكن روحك لا تهجر حب الأوطان، وبعدما توشك السفينة من الوصول لبر شاطئ الأمان، وفيها الكثير من الركُبان، المُنعمين بكل راحةٍ، واطمئنان، وهداة البال؛ فجأة ينقلبُ الحال، حينما تخالف هّوُى القُبطان مارك، وسّيدهُ ترامب، وتخالف العم ساّم، وتكتب في حب الأوطان، وتنشد لفلسطين الأشعار، وللأقصى، والقدس تّخط أناملك أجمل العبارات؛؛ فّتُتّهم فوراً بمُعاداة السامية!؛ وانتهاك معاير العدو الفاجر، فّيَأتيك منهُ الموج العاصف الهادر الغادر من كل مكان، وتصبح في ظلماتٌ بعضها فوق بعض، وتظن نفسك ميتا، وما أنت بميِتّ، وتصبح محظوراً، ملوماً محسوراً، وتفقد ثمار السنين من الأصحاب، وأجمل ما كتبت، ونشرت، وألفت، وشاركت، وعلقت، كلهُ يصيرُ في خبر كان، وفعلاً ناقصاً محذوفاً، وضميراً مُسّتّتِرَا عن الوجدان، وممنوعاً من الصرف!؛ أو الكلام أو التعليق!؛ وينسي مارك، والفيس وقتها أنك إنسان، وترجع وكأنك في عصر الجاهلية الأولي، تعاني من الوحدة، والحرمان، وتقول ليتني لم أعرف الفيس، وأرجع مثل زمان بدل قمع حرية التعبير، وخاصة لكُل من يعارض بطش الاحتلال الإسرائيلي الجبان.
الأديب الكاتب الصحفي، الباحث المفكر العربي والإسلامي والمحلل السياسي
الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر/ محمد عبد الله أبو نحل
عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب، والأكاديميين، والعلماء، والمثقفين، والإعلاميين والمدربين العرب
المستشار الثقافي لمركز أجنحة السلام، والديمقراطية في كندا، ورئيس الهيئة الفلسطينية للاجئين سابقاً
زر الذهاب إلى الأعلى