كتب/خطاب معوض خطاب
بالطبع كلنا نعرف أغنية “قارئة الفنجان” التي أبدع في غنائها العندليب الأسمر عبد الخليم حافظ، واستمعنا جميعا إلى كلماتها على لسان العندليب الأسمر:
جلست والخوف بعينيها
تتأمل فنجاني المقلوب
قالت يا ولدي لا تحزن
فالحب عليك هو المكتوب
يا ولدي قد مات شهيدا
من مات فداء للمحبوب
كما استمعنا إلى كلمات الأغنية على لسان قارئة الفنجان:
بصرت ونجمت كثيرا
لكني لم أقرأ أبدا
فنجانا يشبه فنجانك
بصرت ونجمت كثيرا
لكني لم أعرف أبدا
أحزانا تشبه أحزانك
وقد عشنا جميعا عالم قراءة الفنجان في هذه القصيدة، التي كتبها الشاعر الكبير نزار قباني وأبدع في تلحينها الموسيقار الكبير محمد الموجي، ولكن المدهش والعجيب أن شخصية قارئة الفنجان كانت حاضرة وبقوة في حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وهنا لا أقصد قارئة الفنجان التي كتب عنها الشاعر الكبير نزار قباني، لكنني أقصد قارئة فنجان حقيقية، من لحم ودم، دخلت حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وظلت تتردد عليه لما يقرب من 20 عاما أو يزيد.
وهذه السيدة اسمها الخالة مرجانة، وهي سودانية الجنسية، وقد التقاها عبد الخليم حافظ لأول مرة في حياته في بدايات مسيرته الفنية، وبعدما انتقل من منطقة المنيل إلى شقته بعمارة السعودية على نيل العجوزة، ويومها اصطحبها إليه أحد أصدقائه، وفي لقائهما الأول قالت الخالة مرجانة للعندليب الأسمر:
“أنت هتكون سعيد في عملك، وهتنجح نجاح مالوش حدود، وطوب الأرض هيحبك، أنت صحتك تعبانة شوية، لكنك هتتعب أكتر وتعبك جواني”.
قالت الحاجة مرجانة هذه الكلمات ثم انصرفت، وظل عبد الحليم يضحك لهذه الكلمات ويقول إن كل شيء بيد الله وحده وهو علام الغيوب.
وبعد عدة شهور وأثناء اشتراك عبد الحليم حافظ في فيلم “لحن الوفاء” يصاب بأول نزيف في حياته، ويومها تذكر كلمات الخالة مرجانة، واتصل بصديقه الذي كان قد أحضرها لزيارته، وطلب منه أن يأتي بها إليه، ولكنها كانت قد تركا مصر في ذلك الوقت وعادت إلى السودان، ورغم عدم حضورها لزيارته، إلا أن كلمات الخالة مرجانة ظلت عالقة بأذهان العندليب الأسمر، والذي ظل يستدعي كلماتها إلى ذاكرته كلما تعرض لانتكاسة صحية.
وكنا اختفت فجأة ظهرت الخالة مرجانة فجأة، وحضرت لزيارة عبد الحليم حافظ الذي أصبح متعلقا بها بشدة، بل وأعطاها كارتا لزيارته في بيته في أي وقت تشاء دون ميعاد مسبق، والعحيب أنها كلما أخبرته بشيء كان يحدث بالفعل، مما ساعد على زيادة تعلقه وارتباطه الشديد بها.
وهكذا داومت الخالة مرجانة على زيارة عبد الحليم حافظ في شقته بالعجوزة، ثم أصبحت تزوره باستمرار في شقته الجديدة بالزمالك، وحينما وقع العندليب الأسمر في الحب لأول مرة قالت له الحاجة مرجانة: “أنت بتحب يا حليم، واللي بتحبها بتحبك موت، لكن أنتم مش لبعض، فيه حاجة أكبر منك ومنها هتبعدكم عن بعض”.
وهذا هو ما تحقق بالفعل بعد ذلك، وكان هذا سببا في زيادة حرص عبد الحليم حافظ على وجود الخالة مرجانة في حياته وزيادة تعلقه بها رغم أنه يؤمن أن كل شيء بيد الله تعالى، ولكنه كان يرتاح إليها ويطمئن لوجودها بالقرب منه.
وهكذا ظلت الخالة مرجانة في حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ لما يزيد عن 20 عاما، وكانت دوما بالقرب منه، وكلما أصابته انتكاسة صحية سارع في طلبها لزيارته مما كان يساعد في رفع روحه المعنوية وسرعة استجابته للعلاج.
ولكن ولأن كل شيء بيد الله عز وجل وحده، فقد رحل عبد الحليم حافظ عن الدنيا، وعاشت قارئة الفنجان الخالة مرجانة تستدعي ذكرياتها معه وتقول: “الحاجة الغريبة إن حليم طول عمره يقول لي ما تقوليش لحد إنك بتزوريني، وفي الآخر يقف هو بنفسه على المسرح ويغني للناس كلها أغنية “قارئة الفنجان” وكأنه بيعرفهم حكايتي معاه.
زر الذهاب إلى الأعلى