ولد إمام محمد أحمد عيسى في 2 يوليو 1918في إحدى قرى الريف المصري بقرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة ،وفي صغره أصيبت عيناه بالرمد وعلى طريقة الدكتور طه حسين فقد الصبي بصره وبعدها ذهب إلى كُتّاب القرية لحفظ القرآن كعادة كثير من المكفوفين في الريف المصري في ذلك الوقت و حفظ القرآن كاملاً في صغره والتحق بالجمعية الشرعية التي طرد منها لاحقا لاستماعه في الراديو لصوت تلاوة الشيخ محمد رفعت وذلك لتحريم الجمعية للراديو .
وهكذا وجد الصبي الكفيف نفسه في قلب القاهرة حيث أقام مع عدد من أبناء قريته يعيشون في حارة حوش قدم داخل غرفة صغيرة وحيداً في العاصمة وظل يتنقل في حارات القاهرة إلى أن قادته قدماه إلى الملحن درويش الحريرى فتتلمذ على يده وتعلم الموسيقى واصطحب الشيخ الحريري تلميذه في جلسات الإنشاد والطرب، فذاع صيته وتعرف على كبار المطربين والمقرئين، أمثال زكريا أحمد والشيخ محمود صبح، وبدأت حياة الشيخ في التحسن.
وفى منتصف الثلاثينيات كان الشيخ إمام قد تعرف على زكريا أحمد عن طريق الشيخ درويش الحريري واستعان به الشيخ زكريا في حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقط الضعف بها حيث كان زكريا أحمد لا يحب الحفظ فاستمر إمام معه طويلا، وكان يحفظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها واكتشف زكريا أحمد ان ألحانه بدأت تتسرب للناس قبل أن تغنيها أم كلثوم، مثل “أهل الهوى” و”أنا في انتظارك” و”آه من لقاك في أول يوم” و”الأولة في الغرام”، فقرر الشيخ زكريا الاستغناء عن الشيخ إمام كان لهذه الواقعة أثر في تحويل دفة حياة الشيخ إمام مرة أخرى وعندها قرر تعلم العزف على العود، على يد كامل الحمصاني، وكما بدأ الشيخ إمام في التلحين حتى إنه ألف كلمات ولحنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن وتحول لمغن واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية وأصبح يؤلف ويلحن لنفسه متخذا من أهل حارة حوش قدم جمهورا وافكاراً لأغانيه و الشيخ إمام نشأ بين الثورتين 1919 و1952، فجمع بين الأشكال الغنائية القديمة التي تربى عليها مثل الطقطوقة والديالوج وجمع ما بين التعبير والتطريب من خلال صنع دراما في الألحان.
وفي حضن الحارة الكادحة، وفي فترة تاريخية زاخرة بالأحداث والتحولات السياسية والاجتماعية التي تركت جموع الشعب في دوامة من الحيرة وجد الشيخ إمام الذي وُصف بالثائر الذي لا يهادن نفسه في مواجهة محتومة مع السلطة آنذاك
وظل الشيخ إمام يصول ويجول بأناشيده الدينية، وأغانيه الحماسية والسياسية التي تنتقد الواقع حتى التقى مع احمد فؤاد نجم الفاجومي صاحب النشأة التي لا تختلف كثيرا عن نشأة الشيخ المغني صاحب العود مكوناً ثنائياً معبراً عن الأحداث السياسية فى صداقة قوية تعبر عن الواقع السياسى و الطابع الفكاهى والنقدى.
ومن أشهر الأغاني الوطنية التي كتبها نجم وتغنى بها الشيخ إمام: مصر يا امّة يا بهية يأم طرحة وجلابية الزمن شاب و انتي شابة هو رايح و انتي جاية جايه فوق الصعب ماشية فات عليكي ليل و مية و احتمالك هو هو و ابتسامتك هى هى تضحكي للصبح يصبح بعد ليلة و مغربية تطلع الشمس تلاقيكي معجبانية و صبية
وفي كلمات الفاجومي، وجد الشيخ إمام عيونا يهتدي بها في دوائر حياته المتشابكة وكوّن الثنائي حالة فريدة في تاريخ الأغنية السياسية الشعبية إذا جاز التعبير وظلا رفيقين حتى نهاية الدرب.
ومن الأغاني التي كتب كلماتها نجم وتغنى بها الشيخ إمام في حب مصر: بحبك بحبك بحبك يا مصر مسايا وصباحي بسبح بحبك وحبك شفايا وجراحي يا مصر واسافر بحبك واميل زي ميلك وتحلا الخطاوي في حبك يا مصر وأحب اغترابي في صبحك وليلك وأحب الونس بالرفاقة يا مصر
وقد عاش الفاجومي حتى رأى وسمع كلماته التي لحنها وغناها صديقه الشيخ إمام وهي تتردد مرة أخرى في ميادين الثورة في مصر. وكانت أغاني نجم والشيخ إمام تعبر عنهما في ثوريتها وصراحتها الصادمة وهو ما عرضهما للسجن عدة مرات.
ومن أشهر تلك الأغاني التي سببت لهما مشاكل كثيرة: هما مين واحنا مين هما الأمرا والسلاطين هما المال والحكم معاهم واحنا الفقرا المحكومين
وقد عاش الصديقان الشاعر والمغني معظم حياتهما بين جدران السجون لكن أغانيهما ظلت تتردد هنا وهناك. واتهم البعض أعمال نجم والشيخ إمام بأنها تتسم بجلد الذات، وأنها تدعو إلى اليأس أحيانا لكن الدكتور عبد الغفار مكاوي يشير إلى العازف الفرعوني الأعمى في كتاب مدرسة الحكمة ويقول شكوى العازف الفرعوني الأعمى على القيثار أو شكوى زميله المتعَب من الحياة لم تكن تعبيرا عن يأس شامل من كل شيء وكل أمل، بل كانت تبكي قدر صاحبها الشخصي أو قدر قومه وشعبه
وفى هزيمة 67 لفت الكآبة مثقفي مصر وشعرائها وفيها هزمت مصر في الحرب ونُسفت أحلام ثورة يوليو وأطلقت في نفس الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم غضبة حررت تراكمات الألحان التي اختزلها على مدار ثلاثة عقود لتشكل قصائد الااحتجاج ويرتفع صوت الشيخ إمام بـ بقرة حاحا النطاحة صارت لانطلاق غضبة تأخذ شكل أغان تلهب وتلهم الثورة والثوار لم يحزن الصعاليك بل غضبوا وقذف الحرافيش المسؤولين عن الهزيمة بالأحجاروجاءت قصيدة الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا والتي سُجن بعدها وبقيا بألسجن حتى وفاة عبدالناصروأفرج عنهما السادات 1971 ضمن من أفرج عنهم من المعتقلين السياسيين إلا أنهم سرعان ما عادوا للسجن بعد أن وجهوا رسائل أغانيهم للسادات والذى امتد خلافهم معه طوال فترة حكمه
وتعتبر السيرة الغنائية للشيخ إمام في هذه الفترة الساداتية تاريخًا للأحداث بمنظور شعبي بحت فحين خرج الطلاب للشارع 1972 يستعجلون قرار الحرب غنى الشيخ إمام رجعوا التلامذة للجد تاني وسلام مربع للقوات وحين عبرت القوات المسلحة قناة السويس وبدأت تحرير سينا غنى إمام للشعب والعساكر في القوت الذي كان فيه الغناء للقادة مألوفا فغنى من اجلهم دولا مين وتوجه بألمعارضة للغرب في وقت مبكر للغاية ومن أبرزها شرفت يا نيكسون بابا والتى غناها بالتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون لمصر عام 1974 رافضاً زيارة أي رئيس أمريكي للقاهرة
وبعد حرب اكتوبر ونتيجة للسياسات الانفتاحية التي اتخذها السادات والإجراءات الاقتصادية التي راأى فيها كل من الرفيقين انحيازاً للأغنياء على حساب الفقراء فتحولت الأغنيات إلى مواجهة تأخذ طابعا طبقيا فغنى موال الفول واللحمة ثم كان لتوجه السادات ناحية الغرب أثرا عميقا في أغاني الشيخ إمام فهاجم اتجاهه ناحية توقيع معاهدة السلام مع الإسرائيليين وغنى يا عرب واعتبر فيها المعاهدة استكانة للأجانب وبيعًا لمصر في سجن القلعة جاءت أغنيتة يا فلسطينية على إثر اتفاقية كامب ديفيد، فطالما غنى للمقاومة، لذا كان من الطبيعي أن يرفض معاهدة يرى فيها انتقاصا لحقوق الفلسطينين ومع اغتيال السادات في 1981 وخروج الشيخ إمام من المعتقل، بدأ عصر الأغنية السياسية بالأفول وتراجع معه التيار اليساري، ورغم هذا بقى الشيخ إمام أيقونة ثورية ومؤذناً للحرية في كل عصر.
ولا يختلف الشيخ إمام عن جده المصري القديم إذ كان يتغنى قائلا: أنا انسان بسيط لم أضع يوما علي كتفيّ مدفع أنا لم أضغط زنادا طول عمرى انا لا أملك إلا بعض موسيقى
تُوقّع ريشةً ترسم أحلامى وقنينةَ حبري أنا لا أملك حتى خبز يومى وأنا بالكاد أشبع انما أملك إيمانى الذى لا يتزعزعْ ولم يكن الشيخ إمام أول من سلك هذا الدرب من الغناء؛ إذ سار عليه كثيرون قبله منهم الشيخ سيد درويش، كما لحق به آخرون بعده. . ويؤمن المصريون بالروح المقاومة للعجز، وهكذا كان الشيخ إمام الذي غابت الشمس عن عينيه بوصفة كفيف حين عالجته أمه من الرمد لكن لم تغب عنه شمس الكلام ولا التلحين ولا حب الوطن الذين ناضل بهما في حياته، حيث صنع نفسه وخط بألحانه تاريخ الثورة مع رفيقه أحمد فؤاد نجم ورحل إمام 7 يونيو1995 ولا يزال نجم الشيخ إمام ساطعا رغم مرور عشرات السنين على رحيله