دكتور / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
أصبح صاحبنا من سكان باريس الدائرة السادسة عشر , حي الأغنياء والأثرياء والمشاهير والسفارات , الذي يتوسطه برج إيفل والذي يطل على نهر السين وساحة (( التروكاديرو )) الشهيرة الذي تنتشر فيه المقاهي العريقة الأنيقة .
يبدو أن الحظ داعب صاحبنا بأن يبدأ حياته في تلك الرقعة البهية , ولكن في غرفة فوق السطوح , عالم أخر حينما يطل من نافذته على بانوراما باريسية رائعة لم يحظ بها سكان الأدوار السفلى في شققهم العريقة .
كان يخترق شارع (( باسي )) بخطوات ليجد نفسه تحت أقدام برج إيفل على بساط أخضر وزهور تتراقص على ألحان نافورة مياة التروكاديرو الملونة .
سمع صاحبنا أروع موسيقى في العالم تتراقص معها المياة الملونة التي تندفع وتنحسر تبعاً للصوت والسلم الموسيقى , جمال مجاني متاح لكل البشر , كان صاحبنا يحمل معه دائماً , كتاباً يقرأ فيه , غالبا ما يكون عن الأدب أو الفلسفة أو تاريخ فرنسا الحديث أو القديم فضلاً عن نوتة صغيرة يكتب فيها بعض الأفكار التي يود أن يدونها أو يتعمق في البحث عنها .
لقد قرأ صاحبنا أمهات الكتب في هذا المكان الساحر المجاني , تعّرف على أدباء فرنسا الكبار خاصة أدباء القرون السابع والثامن والتاسع عشر , خطوات من (( التروكاديرو )) يصل إلى ساحة (( شارل ديجول )) الذي يطل على جادة الشانزليزيه الشهيرة
أكبر وأشهر شارع في العالم , فيه بيوت الأزياء الشهيرة فضلاً على شركات العطور الفرنسية العالمية , هنا بداية من ساحة شارل ديجول نكون في باريس الثامنة .
أما من بيته حيث يقصد شارع (( هنري مرتان )) الذي تتوسطه بلدية الحي السادس عشر كان يجاوره رحمة الله عليه الفنان
(( عمر الشريف )) الذي ألتقى به كثيراً , خاصة في حفلات السفارات العربية إحتفالاً بالعيد الوطني , لقد كتب صاحبنا جواز سفر عمر الشريف حينما كان سكرتيراً بقنصلية مصر في باريس لاحقاً .
شارع هنري مرتان ينتهي عند ساحة التروكاديرو حيث برج إيفل أما بدايته تطل على غابة بولونيا أو مكان زاره في أول ساعة وصل فيها لباريس , غابة بولونيا في ظهر البناية التي يسكن فيها صديقه محمود .
أصبحت غابة بولونيا مقصداً له في النهار أما بالليل كان يقصد مكانه المفضل تحت برج أيفل أو أمامه عند نافورة التروكاديرو
تتوسط غابة بولونيا بحيرة , وفي منتصف البحيرة جزيرة عليها كازينو ومطعم …..ما أروع فنجان من القهوة في العصاري .
التقى صاحبنا العديد من الأصدقاء الفرنسيين والفرنسيات , كان يجلس يدرس تاريخ الأدب الفرنسي في القرن الثامن عشر , جلست بجواره سيدة عجوز , ابتسمت وسألته ماذا تقرأ ؟
أجاب : تاريخ الأدب الفرنسي في القرن الثامن عشر
قالت له: عظيم , من أي البلاد أنت ؟
قال لها : من مصر .
قالت : من بلاد الفراعنة , لقد زرت أم الدنيا مصر , وقمت برحلة على ضفاف نهر النيل في سفينة 5 نجوم , كانت رحلة رائعة , بالتأكيد أود العودة لمصر مرات ومرات ….!!
شكرها صاحبنا وتمنى لها هذا
قاطعت العجوز الصمت وقالت هل يمكن لي أن أساعدك ؟
قال : نعم ….ولكن كيف ؟
قالت له : لقد كنت أستاذة في التاريخ الفرنسي في جامعة باريس , الأن أنا بلغت سن التقاعد وتفرغت لكتابة الكتب .
وتولت البروفيسورة مدام (( بيديه )) أمر شرح التاريخ الفرنسي لصاحبنا
ورغم تجاوزها السبعين من عمرها إلا أنها كانت لها طاقة عجيبة على الشرح وكأنما صاحبنا أعاد لها العصر الذهبي بتلك الصدفة العجيبة .
كانت تناديه (( ولدي ))
رغم أن لديها ولد وبنت تزوجا خارج باريس بينما ظلت هي في مسكنها الفخم تعاني من شبح الوحدة .
ما أعظم تلك الصدفة العجيبة , و مضى سهم الزمن سريعاً وتلك العجوز تنتظر تلميذها النجيب , وجاء يوم لم تحضر الأستاذة العجوز وأنتظرها صاحبنا طويلاً لم تأتِ , وظهرت علامات القلق والتوتر على وجه صاحبنا ولاسيما وقد أصبحت له أما تحت عباءة الغربة ….ماذا يفعل …..وماذا حدث ….؟
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة
زر الذهاب إلى الأعلى