بقلم/محمدإسماعيل
إن الناظر في أحوال الناس في تلك الحياة سيعلم يقينا بأنه ولابد من وجود اختلافات بينهم، تلك الاختلافات في كل شيء نفسيا وفكريا وسلوكيا وغير ذلك، والاختلاف في المعتقد هو الأهم لكي نعول عليه إذ به قامت الحروب والصراعات الداخلية والخارجية، فكل صاحب معتقد يحتكر الحق المطلق لنفسه وعليه فيجب إقصاء وقتل وإبادة المخالف تماما، فلا يعرف غالبية هؤلاء ان هناك مايسمي بالحوار بدلا من الصراع، وان الحوار يؤتي ثمراته بدلا من صراع مدمر للمجتمع والامة، ويعطي المبررات للتدخلات الخارجية تحت أغطية متعددة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، فتعددية الأفكار والقضايا وإن كانت من بديهيات الحياة وما يسمونها بسنن كونية إلا أنها تجرهم للصراع الدائم المهيج لقوي الشر،فنجد أن هناك من يزعم بأنه الشعب المختار من قبل السماء ولا شعب يدانيه ولذا فله فعل أي شيء كالسيد مع عبده، وهو دافع عقدي ديني، ومنهم من تحرك بدافع العرقية من أصحاب الدماء الزرقاء وهم الجنس الآري الذين يرون أنهم الأسياد ولا أحد مثلهم، ولا شك هؤلاء الألمان وقعوا في صراعاتهم مع اليهود وسالت دماء الملايين، وأيضا بين أبناء الإسلام من السنة والشيعة والتاريخ القديم والحديث يشهد بتلك الصراعات الدامية، ثم بين أبناء المذاهب والفرق المختلفة في كلا المذهبين الرئيسيين، ولم يقف الامر علي المسلمين بل هذا أيضا عند المسيحيين، فثمت فرق تكفر بعضها وتستهدف بعضها، وقس علي ذلك كل أصحاب فكر عقدي مختلف وأيديولوجيات تريد لنفسها البقاء واستئثار الحق المطلق وإبادة المخالف، والواضح بأن الكثير من تلك الصراعات تنشأ بدافع ديني حمل لواءه هؤلاء الدمويون الداعين للعنف باسم السماء، وصدروا للدنيا بأن امر السماء جاء بالدم والدمار لا بتحقيق الإنسانية في أعلي صورها، وأن القرآن لما أثبت للناس اختلافاتهم بأنهم_لايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم_جعل لهم قنوات أكثر تحضرا وأوفر نفعا وهو الحوار وليس الصراع..
والحوار هو التواصل بين شخصين أو أكثر انطلاقا من قواعد مشتركة بينهما نحو الاتفاق علي العموميات والتخلي عن الفرعيات المختلف فيها جانبا والعمل بذلك علي النهوض بالمجتمعات والامة وهذا هو الهدف الأسمي، العمل الجماعي، فيكون الحوار محكوما بالمنطق وليس حوارا مسبق النتيجة من كلا طرفيه ليذهب الحوار حيث جاء بخفي حنين وبلا فائدة، ويقولون فشل الحوار، والفشل غالبا لأن كليهما جلسا لا للحوار وإنما لإقناع الآخر بالتنازل عن معتقده وفكره، وهنا لا شك لم يكن حوارا محكوما بالمنطق، ولست اتكلم عن المناظرة التي يعمل طرفاها علي إقناع الآخر بالتنازل فهو نوع من الحوار متفق علي مبادئه مسبقا، وإنما الحوار بين أصحاب الفكر المختلف يجب أن يكون مبنيا علي قاعدتين أساسيتين:
*إحترام الآخر في معتقده وفكره وعدم إثارة الضغينة عنده بالتجريح المستمر
*وان يمارس الآخر حقه في معتقده بحرية دون المساس به.
فلو تحققت القاعدتان لا شك ألقي الحوار ثمرته علي المجتمع،وحتي لو لم يؤت ثمرة جيدة إلا أنه لا ينبغي أن يعود علي المجتمع بسوء، ومن ثم تتحقق المواطنة والتعايش السلمي والعيش المشترك، فالدنيا دار عمل لا حساب،فلماذا ينصب كل العداء للآخر قاعدين عن الانتاج والعمل لإقامة القيامة للحساب في غير موعدها، والقيامة هي دار حساب بلا عمل،والممعن في النظر يجد بأن هناك من الأمم ماتعج بعقائد متعددة متنافرة لكنها أمة تسابق الحضارات وتتخذ لنفسها مكانة بالانتاج المستمر،بينما أمم لا يوجد فيها غير ديانة أو ديانتين إلا أنها تعيش الصراعات من عشرات السنين بل من مئات السنين حتي ضاعت وفقدت مكانتها وظلت تتسول لقمتها ودواءها وسلاحها التي يحاربون بعضهم به.
في كتاب بعنون: الفتوح العربية وكيف غير الإسلام العالم الذي نعيش فيه. للمفكر الاسكتلندي هيبو كنيدي يقول فيه:
إن سبب نجاح تلك الفتوحات هو ان الفاتحين الاوائل طبقوا مبدأ عش واترك غيرك يعيش.
أي أنهم طبقوا المواطنة والتعايش السلمي والعيش المشترك ولم يبيدوا أو يقصوا المخالف والتاريخ يشهد،ومع أن هذا هو مبدأ الأوائل إلا ان المتأخرين لا يحذون حذوهم في تطبيق السلم والعيش المشترك وإنما يدعون للعنف مستغلين جهل الناس الذين سرعان ماتجذبهم الشعارات باسم السماء،فخرجت الفرق والحركات التي تسمي نفسها إسلامية لا هم لها غير القتل والتدميرفحسب،ولو أمعنوا في تاريخ أسلافهم لأيقنوا أنهم علي شر عظيم، وفي القرآن قال الله:
لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحده.
فالحوار يؤتي ثمرته بتحقيق شروطه وأركانه وقواعده،وليس هناك صراع بين كتلة وأخري سيما وإن كانت تلك الكتلة تمثل دولة معينة تواجه فكر جماعة او حركة فكرية ما إلا وبعد سنوات من الصراع إلا ويضطرون للحوار في النهاية، فالحوار هو الممر الآمن وليس الصراع، وأن الإنسان مرهون بعمله والله يحاسبه في دار الحساب وليس لنا من الامر شيء.
أصلح الله أحوال العباد والبلاد.
زر الذهاب إلى الأعلى