انقسم المتابعون لنهائي دوري أبطال فوز للبايرن أم إخفاق لباريس سان چيرمان 2020 بين مثمّن لتتويج البايرن ومنتقد لإخفاق البي أس جي (باريس سان جيرمان) بالنظر إلى سيناريو المباراة الذي اختلف عن سابقيه من مباريات المسابقة، وهو نفس الأمر الذي يحدث كل مرة في مواجهات الكرة، فيتم التركيز على إخفاق الخاسر أكثر من تألق الفائز، سواء في الأوساط الجماهيرية أو الإعلامية، أو حتى الفنية التي انجرت بدورها خلف العواطف، في محاولة لتبرير الفوز أو الخسارة، خاصة في مباراة نهائية يكون فيها التركيز على الفوز وليس مجرد المشاركة فيها، وهو الذي حدث أمس، حيث لعب البايرن من أجل الفوز بروح فردية وجماعية عالية وقوة بدنية خارقة وإصرار كبير على انتزاع اللقب، بينما اكتفى البي أس جي بالوصول إلى النهائي وانتظار إبداعات فردياته اللامعة التي لم تسطع في سماء لشبونة، ولم تقدر على مقاومة الرتم الذي فرضه الألمان، خاصة في الشوط الثاني الذي ظهر فيه الفارق جليا بين الفريقين.
أغلب تحليلات وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية والعالمية أجمعت على أن البايرن كان أقوى وحقق الفوز بفضل الواقعية الألمانية والقوة البدنية والذهنية والفنية، وخبرة لاعبيه في المواعيد الكبرى التي تقتضي التركيز، إضافة إلى الروح العالية التي أظهرها لاعبوه في مسابقة هذا الموسم التي فازوا فيها بجميع مبارياتهم وسحقوا تشلسي ذهابا وإيابا في ثمن النهائي، ثم البرسا في ربع النهائي بالثمانية، وبعدهما ليون بالثلاثة في نصف النهائي، فكان التتويج بمثابة تحصيل حاصل لمشوار بطل حقيقي يملك ثقافة الفوز وتقاليد كروية عريقة، ومدربا مهندسا عرف كيف يشغل الماكينة الألمانية، أو بالأحرى قائد جيش استعمل رصاصة واحدة أطلقها ابن الضواحي الباريسية كينجسلي كومان.
في فرنسا، ركز المحللون على هشاشة الفريق الباريسي أكثر من تركيزهم على قوة البايرن، وراحوا يتحدثون عن نقص اللياقة البدنية للفرنسيين، وليس القوة البدنية للألمان، يتحدثون عن دفاع لم يقدر على إخراج الكرة من منطقته من دون الحديث عن الضغط العالي الذي فرضه الألمان، يتحدثون عن ضعف وسط الميدان ونسوا الحديث عن تألق كيميش وغورايتسكا وشراسة مولر الذي استعاد شبابه. كما ركز الفرنسيون على فرديات نيمار ومبابي ودي ماريا التي فشلت في صناعة الفارق، وتناسوا أن المنظومة الجماعية الألمانية كانت أقوى من الفرديات الفرنسية رغم تضييعها لفرص سانحة للتسجيل في الشوط الأول لكنها لم تصمد بدنيا خلال الشوط الثاني، ولم يكن الطموح كافيا للإطاحة بالماكينة الألمانية التي اشتغلت طيلة تسعين دقيقة من دون توقف أو حتى خلل بسيط.
موقف ما حدث البارحة يثبت مرة أخرى أن الكرة ليست فقط فرديات، لأن ميسي ورونالدو لم يحققا البطولات وحدهما من دون منظومة لعب جماعية تجمع بين المهارة الفنية واللياقة البدنية والريتم العالي والتركيز الكبير على المباراة وعدم الإفراط في الفرحة لمجرد بلوغك النهائي، وهو الأمر الذي ظهر على لاعبي باريس سان جيرمان والإعلام الفرنسي، بعدما انساقوا وراء ثقة مفرطة عندما أطاحوا بنادي لايبزيج في نصف النهائي، واعتقدوا بأن المباريات تتوالى وتتشابه، فركزوا على مهارات فردياتهم من دون اهتمام كبير لقدرات منافسهم الخارقة وتعاملهم المتواضع مع الفوز الساحق الذي حققوه أمام البرسا في ثمن النهائي، عكس ما يحدث كل مرة للباريسيين منذ الريمونتادا التي تعرضوا لها أمام برشلونة سنة 2017 والخروج أمام المان يونايتد السنة الماضية، رغم فوزهم في الأولد ترافورد بثنائية وخرجوا من البطولة في باريس بسبب ثقتهم المفرطة.
البايرن توج البارحة لأنه كان أقوى فحقق فوزا مستحقا، أما البي أس جي فقد أخفق لأنه كان سيئا، خاصة في الشوط الثاني وإخفاقه في التتويج كان منطقيا، ولو أن بلوغ النهائي في حد ذاته لكلا الفريقين في الظروف الاستثنائية للموسم الكروي الحالي يعتبر إنجازا يحسب لهما في وقت لم يقدر على بلوغه كبار القوم في عالم الكرة، على غرار حامل اللقب ليفربول والسيتي والبرسا والريال واليوفي وغيرهم من النوادي التي تملك العراقة والتقاليد والمال والنجوم، لكن البايرن امتلك كل شيء هذا الموسم، لذلك يجب تثمين الإنجاز قبل انتقاد الاخفاق، يجب تسليط الضوء على الهدف الذي سجله كينجسلي كومان في ملعب النور الذي ألقى بظلال نوره على مدينة ميونخ، وليس التركيز على الأهداف التي ضيعها مبابي فأطفأت مصابيح عاصمة الأنوار باريس، وأطلقت العنان للاحتفالات في مرسيليا التي لا تريد للغريم أن يبلغ ما حققه نادي مرسيليا سنة 1993.
الكرة هي هكذا، تألق وإخفاق، فوز وخسارة، فرح وحزن، ومن يريد التعمق في التحليل فعليه بفك شفرة المعادلة كلها وليس جزءا منها للوصول إلى تقييم يقترب إلى المنطق ويعطي كل ذي حق حقه في عالم يبقى فيه عنصر المفاجأة وارداً لكن ليس أمام بايرن هذا الموسم الذي سحق الجميع.